معهد الخوئي | Al-Khoei Institute

معهد الخوئي | Al-Khoei Institute
  • الإمام الخوئي
  • المكتبة المرئية
  • المكتبة الصوتية
  • المكتبة
  • الاستفتاءات

23- صوم عاشوراء

  • ١١٨٨٤

 


(المستند في شرح العروة الوثقى- ج١٢- ص٣١٣ الى ٣١٩) 


وأمّا المكروه منه بمعنى قلّة الثواب-: ففي مواضع أيضاً:


منها: صوم عاشوراء(١).


ومنها: صوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء الذي هو أفضل من الصوم، وكذا مع الشك في هلال ذي الحجّة خوفاً من أن يكون يوم العيد.
_______________________________________


(١) عدّه(قدس سره) من الصيام المكروه تبعاً لغيره من بعض الأصحاب، ولكن المحقّق(قدس سره) في الشرائع جعله من الصيام المستحبّ‏(١)، وأقرّ عليه في الجواهر قائلاً: بلا خلافٍ أجده فيه‏(٢)، بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه‏(٣).


نعم، قيده المحقّق بما كان على وجه الحزن لمصاب سيّد شباب أهل الجنّة أرواح العالمين فداه.


ونبّه في الجواهر بأنّ هذا التقييد لمتابعة الشيخ(قدس سره)، حيث إنّه جمع بين الأخبار المتعارضة بذلك، وإلّا فنصوص الباب عارية عن هذا القيد.


وكيفما كان، فحينما يتعرّض المحقّق للصيام المكروه لم يذكر منه صوم هذا اليوم لا هو ولا صاحب الجواهر، فيظهر منهما أنّهما يريان الاستحباب إمّا على وجه الحزن أو مطلقاً.


_______________________________


(١) الشرائع ١ : ٢٤٠.


(٢) الجواهر ١٧ : ١٠٥.


(٣) الغنية ٢ : ١٤٨ ١٤٩.


——— ٣١٣ 




وذهب في الحدائق إلى التحريم وأنّه تشريع محرّم كيوم العيد(١)، لنصوص سنتعرّض إليها، وذكر أنّ ما بإزائها من الأخبار محمول على التقيّة لمطابقتها لمذهب العامّة من بني أُميّة وغيرهم، حيث كانوا يتبرّكون بالصوم في هذا اليوم شكراً على ما جرى على آل اللََّه.


هذه هي حال الأقوال وهي كما ترى بين مكروه، ومندوب، ومحظور.


وأمّا بالنظر إلى الروايات الواردة في المقام: فقد ورد في جملة من النصوص المنع عن صوم هذا اليوم، وهي وإن كثرت إلّا أنّ مرجعها إلى ثلاث روايات:


إحداها: ما رواه الكليني عن شيخه الحسين كما في الوسائل‏(٢) أو الحسن كما في الكافي بن علي الهاشمي، ولهذا الشخص روايات أربع رواها في الوسائل‏(٣)، إلّا أنّنا نعتبر الكلّ رواية واحدة، لأنّ في سند الجميع رجلاً واحداً وهو الهاشمي، وحيث إنّه لم يوثّق ولم يذكر بمدح فهي بأجمعهما محكومة بالضعف، مضافاً إلى ضعف الاُولى بابن سنان أيضاً، والثالثة بزيد النرسي على المشهور وإن كان مذكوراً في إسناد كامل الزيارات. وما في الوسائل في سند الرابعة من كلمة «نجيّة» غلط، والصواب «نجبة»، ولا بأس به.


وكيفما كان، فلا يعتدّ بشي‏ء منها بعد ضعف أسانيدها.


مضافاً إلى ما ذكره في الجواهر من أنّ مفادها المنع عن الصوم باتّخاذه كما


_______________________________


(١) الحدائق ١٣ : ٣٧١ ٣٧٧.


(٢) في الوسائل المحقّق جديداً: الحسن بن علي الهاشمي.


(٣) الوسائل ١٠ : ٤٥٩ ٤٦١/ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٢، ٣، ٤، ٥، الكافي ٤ : ١٤٧، ١٤٦/ ٧، ٥، ٦، ٤.


 ——— ٣١٤ 




يتّخذه المخالفون يوم بركة وفرح وسرور، وأنّ من فعل ذلك كان حظّه من صيامه حظ ابن مرجانة وآل زياد الذي هو النار كما في هذه الأخبار، لا أنّ المنهي عنه مطلق صومه وبعنوانه الأوّلي كما في العيدين‏(١).


الثانية: رواية زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد اللََّه(عليهما السلام) «قالا: لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكّة ولا في المدينة، ولا في وطنك، ولا في مصر من الأمصار»(٢).


وهي أيضاً ضعيفة السند بنوح بن شعيب وياسين الضرير.


على أنّ صوم عرفة غير محرّم قطعاً، وقد صامه الإمام(عليه السلام) كما في بعض الروايات.


نعم، يكره لمن يضعفه عن الدعاء، فمن الجائز أن يكون صوم يوم عاشوراء أيضاً مكروهاً لمن يضعفه عن القيام بمراسيم العزاء.


الثالثة: رواية الحسين بن أبي غندر عن أبي عبد اللََّه(عليه السلام)(٣). وهي ضعيفة السند جدّاً، لاشتماله على عدّة من المجاهيل.


فهذه الروايات بأجمعها ضعاف.


نعم، إنّ هناك رواية واحدة صحيحة السند، وهي صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم جميعاً: أنّهما سألا أبا جعفر الباقر(عليه السلام) عن صوم يوم عاشوراء «فقال: كان صومه قبل شهر رمضان، فلمّا نزل شهر رمضان ترك»(٤).


ولكنّها كما ترى لا تتضمّن نهياً، بل غايته أنّ صومه صار متروكاً


_______________________________


(١) الجواهر ١٧ : ١٠٨.


(٢) الوسائل ١٠ : ٤٦٢/ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٦، ٧.


(٣) الوسائل ١٠ : ٤٦٢/ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٦، ٧.


(٤) الوسائل ١٠ : ٤٥٩/ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ١.


——— ٣١٥ 




ومنسوخاً بعد نزول شهر رمضان، ولعلّه كان واجباً سابقاً، ثمّ أُبدل بشهر رمضان كما قد تقتضيه طبيعة التبديل، فلا تدلّ على نفي الاستحباب عنه بوجه فضلاً عن الجواز.


ولقد سها صاحب الجواهر(قدس سره) فألحق سند هذه الرواية بمتن الرواية التي بعدها، التي كانت هي الاُولى من روايات الهاشمي الضعاف المتقدّمة، فعبّر عنها بصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم‏(١)، مع أنّها رواية عبد الملك التي يرويها عنه الهاشمي كما سبق، وإنّما العصمة لأهلها.


وكيفما كان، فالروايات الناهية غير نقيّة السند برمّتها، بل هي ضعيفة بأجمعها، فليست لدينا رواية معتبرة يعتمد عليها ليحمل المعارض على التقيّة كما صنعه صاحب الحدائق.


وأمّا الروايات المتضمّنة للأمر واستحباب الصوم في هذا اليوم فكثيرة، مثل: صحيحة القدّاح: «صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة»(٢).


وموثّقة مسعدة بن صدقة: «صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنّه يكفّر ذنوب سنة»(٣)، ونحوها غيرها.


وهو مساعد للاعتبار، نظراً إلى المواساة مع أهل بيت الوحي وما لاقوه في هذا اليوم العصيب من جوع وعطش وسائر الآلام والمصائب العظام التي هي أعظم ممّا تدركه الأفهام والأوهام.


فالأقوى استحباب الصوم في هذا اليوم من حيث هو كما ذكره في الجواهر،


_______________________________


(١) الجواهر ١٧ : ١٠٥.


(٢) الوسائل ١٠ : ٤٥٧/ أبواب الصوم المندوب ب ٢٠ ح ٣.


(٣) الوسائل ١٠ : ٤٥٧/ أبواب الصوم المندوب ب ٢٠ ح ٢.


——— ٣١٦ 




أخذاً بهذه النصوص السليمة عن المعارض كما عرفت.


نعم، لا إشكال في حرمة صوم هذا اليوم بعنوان التيمّن والتبرّك والفرح والسرور كما يفعله أجلاف آل زياد والطغاة من بني أُميّة من غير حاجة إلى ورود نصّ أبداً، بل هو من أعظم المحرّمات، فإنّه ينبئ عن خبث فاعله وخلل في مذهبه ودينه، وهو الذي أُشير إليه في بعض النصوص المتقدّمة من أنّ أجره مع ابن مرجانة الذي ليس هو إلّا النار، ويكون من الأشياع والأتباع الذين هم مورد للعن في زيارة عاشوراء. وهذا واضح لا سترة عليه، بل هو خارج عن محلّ الكلام كما لا يخفى.


وأمّا نفس الصوم في هذا اليوم إمّا قضاءً أو ندباً ولا سيّما حزناً فلا ينبغي التأمّل في جوازه من غير كراهة فضلاً عن الحرمة حسبما عرفت.


الرابعة: وهي التي رواها الشيخ في المصباح عن عبد اللََّه بن سنان، قال: دخلت على أبي عبد اللََّه(عليه السلام) يوم عاشوراء ودموعه تنحدر على عينيه كاللؤلؤ المتساقط فقلت: مِمَّ بكاؤك؟ «فقال: أفي غفلة أنت؟ ! أما علمت أنّ الحسين(عليه السلام) أُصيب في مثل هذا اليوم؟ !» فقلت: ما قولك في صومه؟ فقال لي: «صمه من غير تبييت، وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كملا، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول اللََّه(صلّى اللََّه عليه وآله)»(١).


وهي من حيث التصريح بعدم تبييت النيّة، وعدم تكميل الصوم، ولزوم الإفطار بعد العصر، واضحة الدلالة على المنع عن الصوم الشرعي وأنّه مجرّد إمساك صوري في معظم النهار، تأسّياً بما جرى على الحسين وأهله الأطهار


_______________________________


(١) الوسائل ١٠ : ٤٥٨/ أبواب الصوم المندوب ب ٢٠ ح ٧، مصباح المتهجّد: ٧٨٢.


——— ٣١٧ 




عليهم صلوات الملك المنتقم القهّار.


إلّا أنّ الشأن في سندها، والظاهر أنّها ضعيفة السند، لجهالة طريق الشيخ إلى عبد اللََّه بن سنان فيما يرويه في المصباح، فتكون في حكم المرسل.


وتوضيحه: أنّ الشيخ في كتابي التهذيب والاستبصار التزم أن يروي عن كلّ من له أصل أو كتاب عن كتابه، فيذكر أسماء أرباب الكتب أوّل السند مثل: محمّد بن علي بن محبوب، ومحمّد بن الحسن الصفّار، وعبد اللََّه بن سنان، ونحو ذلك، ثمّ يذكر في المشيخة طريقه إلى أرباب تلك الكتب لتخرج الروايات بذلك عن المراسيل إلى المسانيد، وقد ذكر طريقه في كتابيه إلى عبد اللََّه بن سنان، وهو طريق صحيح.


وذكر(قدس سره) في الفهرست طريقه إلى أرباب الكتب والمجاميع، سواء أروى عنهم في التهذيبين أم في غيرهما، منهم: عبد اللََّه بن سنان‏(١)، وطريقه فيه صحيح أيضاً.


وأمّا طريقه(قدس سره) إلى نفس هذا الرجل لا إلى كتابه فغير معلوم، إذ لم يذكر لا في المشيخة ولا في الفهرست ولا في غيرهما، لأنّهما معدّان لبيان الطرق إلى نفس الكتب لا إلى أربابها ولو في غير تلكم الكتب.


وهذه الرواية مذكورة في كتاب المصباح، ولم يلتزم الشيخ هنا بأنّ كلّ ما يرويه عمّن له أصل أو كتاب فهو يرويه عن كتابه كما التزم بمثله في التهذيبين حسبما عرفت.


وعليه، فمن الجائز أن يروي هذه الرواية عن غير كتاب عبد اللََّه بن سنان الذي له إليه طريق آخر لا محالة، وهو غير معلوم كما عرفت، فإنّ هذا الاحتمال‏


_______________________________


(١) الفهرست: ١٠١/ ٤٣٤.


——— ٣١٨ 




_______________________________________


يتطرّق بطبيعة الحال ولا مدفع له، وهو بمجرّده كافٍ في عدم الجزم بصحّة السند.


بل أنّ هذا الاحتمال قريب جدّاً، بل هو المظنون، بل المطمأنّ به، إذ لو كانت مذكورة في كتاب عبد اللََّه بن سنان فلما ذا أهملها في التهذيب والاستبصار مع عنوانه(قدس سره)فيهما: صوم يوم عاشوراء، ونقله سائر الروايات الواردة في الباب وبنائه(قدس سره) على نقل ما في ذلك الكتاب وغيره من الكتب؟! فيكشف هذا عن أنّ روايته هذه عنه عن غير كتابه كما ذكرناه. وحيث إنّ طريقه إليه غير معلوم فالرواية في حكم المرسل، فهي أيضاً ضعيفة السند كالروايات الثلاث المتقدّمة.


فصحّ ما ادّعيناه من أنّ الروايات الناهية كلّها ضعيفة السند، فتكون الآمرة سليمة عن المعارض، فلم تثبت كراهة صوم يوم عاشوراء فضلاً عن الحرمة التي اختارها في الحدائق، بل هي جائزة ندباً ولا سيّما حزناً حسبما عرفت بما لا مزيد عليه.


— ٣١٩ 


المصدر: المستند في شرح العروة الوثقى- ج١٢- ص٣١٣ الى ٣١٩