معهد الخوئي | Al-Khoei Institute

معهد الخوئي | Al-Khoei Institute
  • الإمام الخوئي
  • المكتبة المرئية
  • المكتبة الصوتية
  • المكتبة
  • الاستفتاءات

8- كليات علم الرجال

  • ٢٠٦٧٢

المقدّمة الاولى‏


 


 


 


إستعراض سلسلة من المقدّمات تفضي إلى ضرورة الرجوع إلى علم الرجال.


 


زيف الآراء القائمة على إنكار الحاجة إليه.


 


تفنيد المذهب القائل: إنّ الكتب الاربعة قطعيّة الصدور.


 


الحاجة إلى علم الرجال‏


 


 


 


قد ثبت بالادلّة الاربعة حرمة العمل بالظنّ، وأنّه لا يجوز نسبة حكم إلى اللّه سبحانه مالم يثبت ذلك بدليل قطعى، أو بما ينتهي إلى الدّليل القطعى، وناهيك في ذلك قوله سبحانه: (أللّه أذن لكم أم على اللّه تفترون).


 


دلّت الآية المباركة على أنّ كلّ ما لم يثبت فيه إذن من اللّه تعالى، فنسبته إليه افتراء عليه سبحانه، كما ثبت بتلك الادلّة أنّ الظنّ بنفسه لا يكون منجزاً للواقع، ولا معذّرا عن مخالفته في ما تنجّز بمنجز، ويكفي في ذلك قوله تعالى: (ولا تقف ماليس لك به علم)، وقوله تعالى: (وما يتّبع أكثرهم إلاّ ظنّاً إنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً).


 


وأمّا الروايات الناهية عن العمل بغير العلم: فهي فوق حدّ الإحصاء، ففي صحيح أبي بصير: (قال: قلت لابي عبداللّه عليه السلام: ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب اللّه ولا سنّةٍ فننظر فيها؟ فقال: لا، أما أنّك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذّبت على اللّه)(1).


 


مثال ذلك: أنّ الصدوق روى عن محمد بن مسل عبداللّه عليهما السلام، قالا: (إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات، فصلّها مالم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة...)(1).


 


وقد عبّر عنها صاحب الحدائق : رحمه اللّه : ومن تأخّر عنه بصحيحة محمد ابن مسلم وبريد بن معاوية اغتراراً بجلالتها، وغفلة عن أنّ طريق الصدوق إلى بريد مجهول، وإلى محمد بن مسلم ضعيف، والرواية ضعيفة.


 


مثال ذلك: أنّ الصدوق روى عن محمد عبداللّه عليهما السلام، قالا: (إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات، فصلّها مالم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة...)(1).


 


وقد عبّر عنها صاحب الحدائق : رحمه اللّه : ومن تأخّر عنه بصحيحة محمد ثم إنّه لا ريب في أنّ العقل لا طريق له إلى إثبات الاحكام الشرعية لعدم إحاطته بالجهات الواقعية الداعية إلى جعل الاحكام الشرعية. نعم يمكن ذلك في موارد قليلة، وهي إدراك العقل الملازمة بين حكم شرعي وحكم آخر، كإدراكه الملازمة بين النّهي عن عبادة: كالصوم يومي العيدين وفساده.


 


وأمّا الكتاب العزيز: فهو غير متكفّل ببيان جميع الاحكام، ولا بخصوصيات ماتكفّل ببيانه من العبادات، كالصلاة والصوم والحج والزكاة فلم يتعرّض لبيان الاجزاء والشرائط والموانع.


 


وأمّا الإجماع الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام: فهو نادر الوجود. وأمّا غير الكاشف عن قوله عليه السلام، فهو لا يكون حجّة لانّه غير خارج عن حدود الظنّ غير المعتبر.


 


والمتحصّل: أنّ استنباط الحكم الشرعي في الغالب لا يكون إلاّ من الروايات المأثورة عن أهل بيت العصمة صلوات اللّه عليهم. والإستدلال بها على ثبوت حكم شرعي يتوقّف على إثبات أمرين:


 


الاوّل: إثبات حجّية خبر الواحد، فإنّا إذا لم نقل بحجّيته، إنتهى الامر إلى الالتزام بانسداد باب العلم والعلمى. ونتيجة ذلك هو التنزّل في مرحلة الإمتثال إلى الإمتثال الظنّى، أو القول بحجّية الظنّ في هذا الحال، على ماذهب إليه بعضهم.


 


الثاني: إثبات حجّية ظواهر الروايات بالإضافة إلينا أيضاً، فإنّا إذا قلنا باختصاصها بمن قصد بالافهام، وإنّهم المخاطبون فقط، لم يكن الإستدلال بها على ثبوت حكم من الاحكام أصلاً.


 


وهذان الامران قد أشبعنا الكلام فيهما في مباحثنا الاصولية. ولكن ذكرنا أنّ كلّ خبر عن معصوم لا يكون حجّة، وإنّما الحجّة هو خصوص خبر الثقة أو الحسن. ومن الظاهر أنّ تشخيص ذلك لا يكون إلاّ بمراجعة علم الرجال ومعرفة أحوالهم وتمييز الثقة والحسن عن الضعيف. وكذلك الحال لو قلنا بحجّية خبـر العادل فقط، فإنّ الجزم بعدالة رجل أو الوثوق بها لا يكاد يحصل إلاّ بمراجعته.


 


هذا، والحاجة إلى معرفة حال الرواة موجودة. حتى لو قلنا بعدم حجّية خبر الواحد، أو قلنا باختصاص حجّية الظهور بمن قصد افهامه، فانتهى الامر إلى القول بحجّية الظنّ الإنسدادي أو لزوم التنزّل إلى الإمتثال الظنّى، فإنّ دخل توثيق علماء الرجال رواة رواية في حصول الظنّ بصدورها غير قابل للإنكار.


 


ومن الغريب : بعد ذلك : إنكار بعض المتأخّرين الحاجة إلى علم الرجال بتوهّم أنّ كلّ رواية عمل بها المشهور فهي حجّة، وكلّ رواية لم يعمل بها المشهور ليست بحجّة، سواء أكانت رواتها ثقات أم ضعفاء.


 


بحجّية الظنّ الإنسدادي أو لزوم التنزّل إ علماء الرجال رواة رواية في حصول الظنّ بصدورها غير قابل للإنكار.


 


ومن الغريب : بعد ذلك : إنكار بعض المتأخّرين الحاجة إلى علم الرجال بتوهّم أنّ كلّ رواية عمل بها المشهور فهي حجّة، وكلّ رواية لم يعمل بها المشهور ليست بحجّة، سواء أكانت رواتها ثقات أم ضعفاء.


 


فإنّه مع تسليم ماذكره من الكلّيّة : وهي غير مسلّمة وقد أوضحنا بطلانها في مباحثنا الاصولية : فالحاجة إلى علم الرجال باقية بحالها، فإنّ جملة من المسائل لا طريق لنا إلى معرفة فتاوى المشهور فيها، لعدم التعرّض لها في كلماتهم، وجملة منها لا شهرة فيها على أحد الطرفين، فهما متساويان. أو أنّ أحدهما أشهر من الاخر، وليست كلّ مسألة فقهية كان أحد القولين، أو الاقوال فيها مشهوراً، وكان مايقابله شاذّاً.


 


بل الحال كذلك حتى لو قلنا بأنّ صدور روايات الكتب الاربعة قطعى، فإنّ أدلّة الاحكام الشرعية لا تختصّ بالكتب الاربعة، فنحتاج : في تشخيص الحجّة من الروايات الموجودة في غيرها عن غير الحجّة : إلى علم الرجال.


 


ومن الضروري التكلّم على هذا القول بما يناسب المقام:


 


روايات الكتب الاربعة ليست قطعيّة الصدور


 


ذهب جماعة من المحدّثين إلى أنّ روايات الكتب الاربعة قطعيّة الصدور. وهذا القول باطل من أصله؟ إذ كيف يمكن دعوى القطع بصدور رواية رواها واحد عن واحد. ولا سيّما أنّ في رواة الكتب الاربعة من هو معروف بالكذب والوضع، على ماستقف عليه قريباً وفي موارده إن شاء اللّه تعالى.


 


ودعوى القطع بصدقهم في خصوص روايات الكتب الاربعة : لقرائن دلّت على ذلك : لا أساس لها، فانّها بلا بيّنة وبرهان، فإنّ ماذكروه في المقام : وادّعوا أنّها قرائن تدلّنا على صدور هذه الروايات من المعصوم : عليه السلام : لا يرجع شى‏ء منها إلى محصل.


 


وأحسن ما قيل في ذلك هو: أنّ اهتمام أصحاب الائمة عليهم السلام وأرباب الاصول والكتب بأمر الحديث إلى زمان المحمدين الثلاثة : قدّس اللّه أسرارهم : يدلّنا على أنّ الروايات التي أثبتوها في كتبهم قد صدرت عن المعصومين عليهم السلام، فإنّ الاهتمام المزبور يوجب : في العادة : العلم بصحّة ماأودعوه في كتبهم، وصدوره من المعصومين عليهم السلام.


 


ولكن هذه الدعوى فارغة من وجوه:


 


أوّلاً: إنّ أصحاب الائمة عليهم السلام وإن بذلوا غاية جهدهم واهتمامهم في أمر الحديث وحفظه من الضياع والإندراس حسبما أمرهم به الائمة عليهم السلام، إلاّ أنّهم عاشوا في دور التقيّة، ولم يتمكّنوا من نشر الاحاديث علناً، فكيف بلغت هذه الاحاديث حدّ التواتر أو قريباً منه! وهذا ابن أبي عمير حبس أيام الرشيد، وطلب منه أن يدلّ على مواضع الشيعة وأصحاب موسى بن جعفر عليه السلام، وأنّ أخته دفنت كتبه عندما كان في الحبس فهلكت، أو تركها في غرفته، فسال عليها المطر فهلكت. وهكذا حال سائر أصحاب الائمة عليهم السلام، فإنّ شدّتهم في ماكانوا عليه، وعدم تمكّنهم من نشر الاحاديث علناً ممّا لا شكّ فيه ذو مسكة. مع ذلك كيف يمكن دعوى: أنّها قطعيّة الصدور؟.


 


ثانياً: إنّ الاهتمام المزبور لو سلّمنا أنّه يورث العلم، فغاية الامر أنّه يورث العلم بصدور هذه الاصول والكتب عن أربابها، فنسلّم أنّها متواترة، ولكنّه مع ذلك لا يحصل لنا العلم بصدور رواياتها عن المعصومين عليهم السلام، وذلك فإنّ أرباب الاصول والكتب لم يكونوا كلّهم ثقات وعدولاً، فيحتمل فيهم الكذب. وإذا كان صاحب الاصل ممّن لا يحتمل الكذب في حقّه، فيحتمل فيه السّهو والإشتباه.


 


وهذا حذيفة بن منصور قد روى عنه الشيخ بعدّة طرق:


 


بحجّية الظنّ الإنسدادي أو لزوم التنزّل إ علماء الرجال رواة رواية في حصول الظنّ بصدورها غير قابل للإنكار.


 


ومن الغريب : بعد ذلك : إنكار بعض المتأخّرين الحاجة إلى علم الرجال بتوهّم أنّ كلّ رواية عمل بها المشهور فهي حجّة، وكلّ رواية لم يعمل بها المشهور ليست بحجّة، سواء أكانت رواتها ثقات أم ضعفاء.


 


بحجّية الظنّ الإنسدادي أو لزوم ال علماء الرجال رواة رواية في حصول الظنّ بصدورها غير قابل للإنكار.


 


ومن الغريب : بعد ذلك : إنكار بعض المتأخّرين الحاجة إلى علم الرجال بتوهّم أنّ كلّ رواية عمل بها المشهور فهي حجّة، وكلّ رواية لم يعمل بها المشهور ليست بحجّة، سواء أكانت رواتها ثقات أم ضعفاء.


 


منها: مارواه بطرقه المعتبرة عن محمد بن أبي عمير عنه رواية: أنّ شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوماً(1). ثم قال: (وهذا الخبر لا يصحّ العمل به من وجوه: أحدها أنّ متن هذا الحديث لا يوجد في شى‏ء من الاصول المصنّفة، وإنّما هو موجود في الشواذّ من الاخبار. ومنها: أنّ كتاب حذيفة بن منصور عريّ منه، والكتاب معروف مشهور، ولو كان هذا الحديث صحيحاً عنه لضمّنه كتابه).


 


إلى آخر ماذكره : قدّس سرّه ؤ.


 


فنرى أنّ الشيخ : قدّس سرّه : يناقش في صحّة هذا الحديث عن حذيفة مع أنّ في رواتها عنه محمد بن أبي عمير، وقد رواها الشيخ عنه بطرق معتبرة، ولا يكون منشأ ذلك إلاّ احتمال وقوع السّهو والإشتباه من الرواة، فإذا كانت مثل هذه الرواية لايحكم بصحّتها، فما حال الروايات التي يرويها الضعفاء أو المجهولون؟!.


 


ثالثاً: لو سلّمنا أنّ صاحب الكتاب أو الاصل لم يكذب ولم يشتبه عليه الامر، فمن الممكن أنّ من روى عنه صاحب الكتاب قد كذب عليه في روايته، أو أنّه اشتبه عليه الامر، وهكذا...


 


ومن هنا قال الشيخ : قدّس سرّه : في كتاب العدّة عند بحثه عن حجّية خبر الواحد:


 


والذي يدلّ على ذلك: إجماع الفرقة المحقّة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم ودوّنوها في أصولهم لا يتناكرون ذلك، ولا يتدافعونه حتى أنّ واحداً منهم إذا أفتى بشى‏ء لايعرفونه سألوه من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم إلى كتاب معروف أو أصل مشهور، وكان راويه ثقة لاينكر حديثه سكتوا، وسلّموا الامر في ذلك وقبلوا قوله.


 


فإنّ دلالة هذا الكلام على أنّ روايات الكتب المعروفة والاصول المشهورة لم تكن قطعيّة الصدور، وإنّما يلزم قبولها بشرط أن تكون رواتها ثقات، للإجماع على حجّيتها : حينئذ : واضحة ظاهرة.


 


رابعاً: إنّ الاصول والكتب المعتبرة لو سلّمنا أنّها كانت مشهورة ومعروفة إلاّ أنّها كانت كذلك على إجمالها، وإلاّ فمن الضروري أنّ كلّ نسخة منها لم تكن معروفة ومشهورة، وإنّما ينقلها واحد إلى آخر قراءة أو سماعاً، أو مناولة مع الاجازة في روايتها، فالواصل إلى المحمدين الثلاثة إنّما وصل إليهم عن طريق الآحاد، ولذلك ترى أنّ الشيخ الصدوق بعدما ذكر في خطبة كتابه من لا يحضره الفقيه أنّ: جميع ما أورده فيه مستخرج من كتب مشهورة معروفة أشار إلى طريقه إليها، وقال: (وطرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضى اللّه عنهم). فإنّه يظهر من ذلك أنّه : قدّس سرّه : كان قد ألّف فهرساً ذكر فيه طرقه إلى الكتب التي رواها عن مشايخه وأسلافه، فهو إنّما يروي الكتب بتلك الطرق المعروفة في ذلك الفهرس، ولكنّه لم يصل إلينا، فلا نعرف من طرقه غير ماذكره في المشيخة من طرقه إلى من روى عنهم في كتابه.


 


وأمّا طرقه إلى أرباب الكتب فهي مجهولة عندنا، ولا ندري أنّ أيّاً منها كان صحيحاً، وأيّاً منها غير صحيح. ومع ذلك كيف يمكن دعوى العلم بصدور جميع هذه الروايات من المعصومين عليهم السلام.


 


وعلى الجملة: إنّ دعوى القطع بصدور جميع روايات الكتب الاربعة من المعصومين عليهم السلام واضحة البطلان. ويؤكّد ذلك أنّ أرباب هذه الكتب بأنفسهم لم يكونوا يعتقدون ذلك.


 


وهذا محمد بن يعقوب : قدّس اللّه تعالى سرّه : بعدما ذكر أنّه طلب منه تأليف كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين مايكتفي به المتعلّم ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهما السلام، قال بعد كلام له:


 


(فاعلم يا أخي أرشدك اللّه أنّه لا يسع أحداً تمييز شى‏ء ممّا اختلف الرواية فيه عن العلماء : عليهم السلام : برأيه إلاّ على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام: أعرضوها على كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه عزّ وجلّ فخذوه، وما خالف كتاب اللّه فردّوه. وقوله: دعوا ما وافق القوم فإنّ الرشد في خلافهم. وقوله عليه السلام: خذوا بالمجمع عليه، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه. ونحن لانعرف من جميع ذلك إلاّ أقلّه، ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه السلام، وقبول ما وسع من الامر فيه بقوله: بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم. وقد يسّر اللّه : وللّه الحمد : تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخّيت).


 


وهذا الكلام ظاهر في أنّ محمد بن يعقوب لم يكن يعتقد صدور روايات كتابه عن المعصومين عليهم السلام جزماً، وإلاّ لم يكن مجال للاستشهاد بالرواية على لزوم الاخذ بالمشهور من الروايتين عند التعارض، فانّ هذا لايجتمع مع الجزم بصدور كلتيهما، فإنّ الشهرة إنّما تكون مرجّحة لتمييز الصادر عن غيره، ولا مجال للترجيح بها مع الجزم بالصدور.


 


وأمّا الشيخ الصدوق : قدّس سرّه : فقد قال في خطبة كتابه:


 


(ولم أقصد فيه قصد المصنّفين من إيراد جميع مارووه، بل قصدت إلى إيراد ماأفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّى).


 


فإنّ هذا الكلام ظاهر في أنّ كتاب الكافي في اعتقاد الصدوق كان مشتملاً على الصحيح وغير الصحيح كسائر المصنّفات، فكيف يمكن أن يدّعى أنّ جميع رواياته قطعيّة الصدور؟.


 


وأيضاً، فإنّ الشيخ الصدوق إنّما كتب كتابه: من لا يحضره الفقيه، إجابة لطلب السيّد الشريف أبي عبداللّه المعروف بـ (نعمة اللّه) فإنّه قد طلب من الشيخ الصدوق أن يصنّف له كتاباً في الفقه ليكون إليه مرجعه، وعليه معتمده، ويكون شافياً في معناه مثل ما صنّفه محمد بن زكريّا الرازي وترجمه بكتاب: من لا يحضره الطبيب.


 


ولا شكّ أنّ كتاب الكافي أوسع وأشمل من كتاب من لا يحضره الفقيه، فلو كانت جميع روايات الكافي صحيحة عند الشيخ الصدوق : قدّس سرّه : فضلاً عن أن تكون قطعيّة الصدور لم تكن حاجة إلى كتابة كتاب: من لا يحضره الفقيه، بل كان على الشيخ الصدوق أن يرجع السيّد الشريف إلى كتاب الكافي، ويقول له: إنّ كتاب الكافي في : بابه : ككتاب من لا يحضره الطبيب في بابه في أنّه شاف في معناه.


 


الآحاد، ولذلك ترى أنّ الشيخ الصدوق بعدما أنّ: جميع ما أورده فيه مستخرج من كتب مشهورة معروفة أشار إلى طريقه إليها، وقال: (وطرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضى اللّه عنهم). فإنّه يظهر من ذلك أنّه : قدّس سرّه : كان قد ألّف فهرساً ذكر فيه طرقه إلى الكتب التي رواها عن مشايخه وأسلافه، فهو إنّما يروي الكتب بتلك الطرق المعروفة في ذلك الفهرس، ولكنّه لم يصل إلينا، فلا نعرف من طرقه غير ماذكره في المشيخة من طرقه إلى من روى عنهم في كتابه.


 


وأمّا طرقه إلى أرباب الكتب فهي مجهولة عندنا، ولا ندري أنّ أيّاً منها كان صحيحاً، وأيّاً منها غير صحيح. ومع ذلك كيف يمكن دعوى العلم بصدور جميع هذه الروايات من المعصومين عليهم السلام.


 


ويزيد ذلك وضوحاً: أنّ الشيخ الصدوق قال في باب الوصيّ يمنع الوارث: (ماوجدت هذا الحديث إلاّ في كتاب محمد بن يعقوب، ولارويته إلاّ من طريقه) فلو كانت روايات الكافي كلّها قطعيّة الصدور، فكيف يصحّ ذلك القول من الشيخ الصدوق : قدّس سرّه ؤ.


 


بقي هنا شى‏ء، وهو: أنّه قد يتوهّم أنّ شهادة الشيخ الصدوق بصحّة جميع روايات كتابه شهادة منه بصدور جميعها عن المعصومين عليهم السلام، فإنّ الصحيح عند القدماء هو ما علم صدوره من المعصوم عليه السلام، فهو وإن لم يكن يرى صحّة جميع روايات الكافي، إلاّ أنّه كان معتقداً بصحّة جميع مااشتمل عليه كتابه من الروايات.


 


ولكن هذا توهّم صرف، فإنّ الصدوق إنّما يريد بالصحيح ماهو حجّة بينه وبين اللّه، أي ماأحرز صدوره من المعصوم عليه السلام ولو بالتعبّد، ولم يرد بذلك قطعي الصدور وما لايحتمل فيه الكذب أو الخطأ، كما سيجى‏ء منه : قدّس سرّه : عند البحث عن صحّة جميع أخبار الكتب الاربعة وعدمها: تصريحه بأنّه يتبع في التصحيح وعدمه شيخه ابن الوليد، فيصحّح ماصحّحه، ولا يصحّح مالم يصحّحه.


 


أفهل يمكن أن يقال: إنّه كان يتّبع شيخه في القطع بالصدور وعدم القطع به؟ فكلّ ماكان مقطوع الصدور لابن الوليد كان مقطوع الصدور للشيخ الصدوق وإلاّ فلا.


 


فالمتلخّص : أنّه لم يظهر من الشيخ الصدوق إلاّ أنّه كان يعتقد حجّية جميع روايات كتابه ولم يكن يرى ذلك بالاضافة إلى الكافي وغيره من المصنّفات.


 


وأما الشيخ : قدّس سرّه : فلا شكّ في أنّه لم يكن يعتقد صدور جميع روايات كتابيه ولا سائر الكتب والاصول عن المعصومين عليهم السلام. ومن ثم ذكر في آخر كتابه أنّه يذكر طرقه إلى أرباب الكتب الذين روى عنهم في كتابه، لتخرج الروايات بذلك عن الإرسال إلى الاسناد، فانّ هذا الكلام صريح في أنّ مارواه في كتابه أخبار آحاد محتملة الصدق والكذب، فإن كان الطريق إليها معلوماً كانت من الروايات المسندة، وإلاّ فهي مرسلات وغير قابلة للاعتماد عليها.


 


وبعبارة أخرى: إنّ الشيخ إنّما التزم بذكر الطريق، لئلاّ تسقط روايات كتابه عن الحجّية لاجل الارسال، فلو كانت تلك الروايات قطعيّة الصدور، وكان ذكر الطريق لمجرّد التيمّن والتبرّك، لم يكن الامر كذلك مع أنّه خلاف ماصرّح به : قدّس سرّه ؤ، وأيضاً فإنّه قد تقدّم منه أنّ جواز العمل بما في الكتب المعروفة والاصول المشهورة مشروط بوثاقة الراوى. وهذا ظاهر في أنّه لم يكن يرى صحّة جميع روايات تلك الكتب، فضلاً عن القطع بصدورها.


 


وأيضاً إنّه : قدّس سرّه : قد ناقش في غير مورد من كتابه في صحّة رواية رواها عن الكافي أو أنّه لم يروها عنه، ولكنّها موجودة في الكافي، أو فيه وفي من لايحضره الفقيه أيضاً، ومع ذلك قد حكم بضعفها، فلو كانت تلك الروايات صحيحة ومقطوعة الصدور من المعصومين عليهم السلام فكيف ساغ للشيخ أن يناقش فيها بضعف السند. ومن تلك الموارد:


 


1: مارواه عن محمد بن يعقوب بسنده عن أبي سعيد الخدرى، قال: (أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بلالاً أن ينادى...)(1) فإنّه قال بعد رواية الحديث:


 


لمجرّد التيمّن والتبرّك، لم يكن الامر كذ سرّه ؤ، وأيضاً فإنّه قد تقدّم منه أنّ جواز العمل بما في الكتب المعروفة والاصول المشهورة مشروط بوثاقة الراوى. وهذا ظاهر في أنّه لم يكن يرى صحّة جميع روايات تلك الكتب، فضلاً عن القطع بصدورها.


 


وأيضاً إنّه : قدّس سرّه : قد ناقش في غير مورد من كتابه في صحّة رواية رواها عن الكافي أو أنّه لم يروها عنه، ولكنّها موجودة في الكافي، أو فيه وفي من لايحضره الفقيه أيضاً، ومع ذلك قد حكم بضعفها، فلو كانت تلك الروايات صحيحة ومقطوعة الصدور من المعصومين عليهم السلام فكيف ساغ للشيخ أن يناقش فيها بضعف السند. ومن تلك الموارد:


 


1: مارواه عن محمد بن يعقوب بسنده عن أبي سعيد الخدرى، قال: (أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بلالاً أن ينادى...)(1) فإنّه قال بعد رواية الحديث:


 


قال محمد بن الحسن: فما تضمّن هذا الحديث من تحريم لحم الحمار الاهلي موافق للعامّة، والرجال الذين رووا هذا الخبر أكثرهم عامّة، ومايختصّون بنقله لايلتفت إليه.


 


وهذا تصريح منه بأنّ روايات الكافي ليست كلّها بصحيحة، فضلاً عن كونها مقطوعة الصدور.


 


2: مارواه عنه بسنده عن عمران الزعفرانى، قال: (قلت لابي عبداللّه عليه السلام: إنّ السّماء تطبق علينا...)، وما رواه عنه بسنده عن عمران الزعفراني أيضاً، قال: (قلت لابي عبداللّه عليه السلام: إنّا نمكث في الشتاء...)(1). فإنّه قال بعد روايتهما:


 


(إنّهما خبر واحد لايوجبان علماً ولا عملاً، ولانّ راويهما عمران الزعفرانى، وهو مجهول، وفي إسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما يختصّون بروايته).


 


وهذا تصريح من الشيخ بأنّ كلّ رواية في الكافي أو غيره إذا كان في سندها ضعفاء لايعمل بها فيما إذا اختصّوا بروايتها.


 


3: مارواه بسنده عن القاسم بن محمد الزيّات، قال: (قلت لابي الحسن الرضا عليه السلام: إنّي ظاهرت من امرأتى...)، وما رواه عن محمد بن يعقوب بسنده عن ابن بكير عن رجل: (قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: إنّي قلت لإمرأتى...)، وما رواه بطريقه عن ابن فضّال عمّن أخبره عن أبي عبداللّه : عليه السلام : قال: (لايكون الظهار إلاّ على مثل موضع الطلاق)(2).


 


والاولى من هذه الروايات الثلاث رواها محمد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن القاسم بن محمد الزيّات(1). كما إنّ الثالثة منها رواها الشيخ الصدوق : قدّس سرّه : مرسلة عن الصادق عليه السلام(2).


 


قال الشيخ بعد ذكر هذه الروايات: (أوّل مافي هذه الاخبار أنّ الخبرين منهما وهما الاخيران مرسلان، والمراسيل لايعترض بها على الاخبار المسندة لما بيّناه في غير موضع. وأمّا الخبر الاوّل فراويه أبو سعيد الآدمي : سهل بن زياد : وهو ضعيف جداً عند نقّاد الاخبار، وقد استثناه أبو جعفر بن بابويه في رجال نوادر الحكمة).


 


أقول: لو كان الشيخ يعتقد أنّ جميع روايات الكافي والفقيه قطعيّة الصدور أو أنّها صحيحة، وإن لم تكن قطعيّة الصدور لم يكن يعترض على هذه الروايات بضعف السّند أو بالإرسال، ولا سيّما أنّ المرسل ابن بكير وهو من أصحاب الإجماع، وابن فضّال المعروف بالوثاقة.


 


4: الروايات التي دلّت على أنّ شهر رمضان لاينقص عن ثلاثين يوماً أبداً فإنّ هذه الروايات مع أنّ جملة منها مذكورة في الكافي والفقيه قد ناقش فيها الشيخ ومن قبله الشيخ المفيد، وحكما بعدم صحّتها، وبأنّها من شواذّ الاخبار.


 


وبيان ذلك: أنّ محمد بن يعقوب قد عقد باباً ذكر فيه ثلاث روايات دلّت على أنّ شهر رمضان لاينقص أبداً، الاولى: مارواه حذيفة بن منصور عن أبي عبداللّه عليه السلام. الثانية: مارواه محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبداللّه عليه السلام. الثالثة: مارواه حذيفه بن منصور عن معاذ بن كثير عن أبي عبداللّه عليه السلام(1).


 


على هذه الروايات بضعف السند أو بالإرسال، ولا سيّما أنّ المرسل ابن بك من أصحاب الإجماع، وابن فضّال المعروف بالوثاقة.


 


4: الروايات التي دلّت على أنّ شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوماً أبداً فإنّ هذه الروايات مع أنّ جملة منها مذكورة في الكافي والفقيه قد ناقش فيها الشيخ ومن قبله الشيخ المفيد، وحكما بعدم صحّتها، وبأنّها من شواذّ الاخبار.


 


وهذه الروايات ذكرها الصدوق، إلاّ أنّه روى الثانية عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع، عن محمد بن يعقوب بن شعيب، عن أبيه، عن أبي عبداللّه عليه السلام. وزاد رواية أبي بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام، ورواية ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام(2).


 


قال الصدوق بعد ذكر هذه الروايات:


 


(قال مصنّف هذا الكتاب رضي اللّه عنه: من خالف هذه الاخبار، وذهب إلى الاخبار الموافقة للعامّة في ضدّها، أتّقيّ كما يتّقي العامّة ولا يكلّم إلاّ بالتقيّة كائناً من كان، إلاّ أن يكون مسترشداً فيرشد ويبيّن له، فإنّ البدعة إنّما تمات وتبطل بترك ذكرها ولا قوّة إلاّ باللّه).


 


(أقول): هذه الروايات التي ذكرها محمد بن يعقوب، وصحّحها الصدوق، وبالغ في تصحيحها ولزوم العمل بها قد تعرّض لها الشيخ المفيد : قدّس سرّه : في رسالته المعروفة بالرسالة العددية، وناقش في إسنادها، وذكر أنّها روايات شاذّة لايمكن الاستدلال بها. قال المفيد:


 


(وأمّا ما تعلّق به أصحاب العدد من أنّ شهر رمضان لا يكون أقلّ من ثلاثين يوماً، فهي أحاديث شاذّة قد طعن نقلة الآثار من الشيعة في سندها، وهي مثبّتة في كتب الصيام، في أبواب النوادر، والنوادر هي التي لا عمل عليها. وأنا أذكر جملة ماجاءت به الاحاديث الشاذّة وأبيّن عن خللها وفساد التعلّق بها في خلاف الكافّة إن شاء اللّه.


 


فمن ذلك حديث رواه محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: شهر رمضان ثلاثون يوماً لا ينقص أبداً. وهذا حديث شاذّ نادر غير معتمد عليه. في طريقه محمد بن سنان، وهو مطعون فيه، لاتختلف العصابة في تهمته وضعفه، وما كان هذا سبيله لم يعمل عليه في الدين.


 


ومن ذلك حديث رواه محمد بن يحيى العطّار، عن سهل بن زياد الآدمى، عن محمد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق الدنيا في ستّة أيام، ثم اختزلها من أيام السنة، فالسنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً، وشعبان لا يتمّ، وشهر رمضان لا ينقص أبداً، ولا تكون فريضة ناقصة، إنّ اللّه تعالى يقول: ولتكملوا العدّة. وهذا الحديث شاذّ مجهول الاسناد، ولو جاء بفعل صدقة أو صيام أو عمل لوجب التوقّف فيه، فكيف إذا جاء بشى‏ء يخالف الكتاب والسنّة وإجماع الامّة، ولا يصحّ على حساب ذمّي ولا ملّي ولا مسلم ولا منجِّم، ومن عوّل على مثل هذا الحديث في فرائض اللّه تعالى فقد ضلّ ضلالاً بعيداً، وبعد: فالكلام الذي فيه بعيد من كلام العلماء فضلاً عن أئمة الهدى عليهم السلام، لانّه قال فيه لا تكون فريضة ناقصة وهذا لا معنى له، لانّ الفريضة بحسب مافرضت، فاذا أدّيت على الثقيل أو الخفيف لم تكن ناقصة، والشهر إذا كان تسعة وعشرين يوماً، ففرض صيامه لا ينسب إلى النقصان في الفرض، كما أنّ صلاة السفر إذا كانت على الشطر من صلاة الحضر لا يقال لها صلاة ناقصة، وقد أجلّ اللّه إمام الهدى عليه السلام عن القول بأنّ الفريضة إذا أدّيت على التخفيف كانت ناقصة. وقد بيّنا أنّ من صام شهرين متتابعين في كفّارة ظهار، فكانا ثمانية وخمسين يوماً لم يكن فرضاً ناقصاً، بل كان فرضاً تامّاً. ثم احتجّ لكون شهر رمضان ثلاثين يوماً لم ينقص عنها بقوله تعالى: ولتكملوا العدّة. وهذا نقد في قضاء الفائت بالمرض والسّفر. ألا ترى إلى قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، ولتكملوا العدّة) أي عدّة صوم شهر رمضان، وما أوجب ذلك أن يكون ثلاثين يوماً إذا كان ناقصاً. وقد بيّنا ذلك في صيام الكفّارة إذا كانا شهرين متتابعين وإن كانا ناقصين أو أحدهما كاملاً والآخر ناقصاً.


 


قضاء الفائت بالمرض والسّفر. ألا ت على سفر فعدّة من أيام أخر يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، ولتكملوا العدّة) أي عدّة صوم شهر رمضان، وما أوجب ذلك أن يكون ثلاثين يوماً إذا كان ناقصاً. وقد بيّنا ذلك في صيام الكفّارة إذا كانا شهرين متتابعين وإن كانا ناقصين أو أحدهما كاملاً والآخر ناقصاً.


 


شذوذها، واضطراب سندها وطعن العلماء في رواتها هي التي يعتمد عليها أصح المتعلّقون بالنقل، وقد بيّنا ضعف التعلّق بها ممّا فيه كفاية والحمد للّه).


 


وتقدّم كلام الشيخ الطوسي في ذلك قريباً.


 


ولا شكّ في أنّ المفيد والشيخ كانا يعاملان مع روايات الكافي والفقيه وغيرها في الكتب والاصول معاملة الخبر غير القطعيّ . 


 


وليت شعري إذا كان مثل المفيد والشيخ : قدّس سرّهما : ، مع قرب عصرهما، وسعة اطلاعهما لم يحصل لهما القطع بصدور جميع هذه الروايات من المعصومين عليهم السلام، فمن أين حصل القطع لجماعة متأخّرين عنهما زماناً ورتبة؟ أوليس حصول القطع يتوقّف على مقدّمات قطعيّة بديهية أو منتهية إلى البداهة؟.


 


وقد ذكر صاحب الوسائل لإثبات ماادّعاه من صحّة ماأودعه في كتابه من الاخبار، وصدورها من المعصومين عليهم السلام وجوهاً، سمّاها أدلّة، ولا يرجع شى‏ء منها إلى محصل، ولا يترتّب على التعرّض لها والجواب عنها غير تضييع الوقت، وأحسنها الوجه الاوّل الذي أشرنا اليه وأجبنا عنه، ولا بأس أن نذكر له كلاماً في المقام ليظهر للباحث حال بقية ماذكره دليلاً على مدّعاه. قال في الوجه التاسع ممّا ذكره:


 


(والعجب أنّ هؤلاء المتقدّمين، بل من تأخّر عنهم كالمحقّق والعلاّمة والشهيدين وغيرهم إذا نقل واحد منهم قولاً عن أبي حنيفة أو غيره من علماء العامّة أو الخاصّة، أو نقل كلاماً من كتاب معيّن، ورجعنا إلى وجداننا، نرى أنّه قد حصل لنا العلم بصدق دعواه، وصحّة نقله : لا الظنّ : وذلك علم عادى، كما نعلم أنّ الجبل لم ينقلب ذهباً، والبحر لم ينقلب دماً.


 


فكيف يحصل العلم من نقله عن غير المعصوم، ولا يحصل من نقله عن المعصوم غير الظن، مع أنّه لا يتسامح ولا يتساهل من له أدنى ورع وصلاح في القسم الثاني، وربّما يتساهل في الاوّل)(1).


 


أقول: ليت شعري كيف خفي على مثل الشيخ الحرّ: الفارق بين الامرين، والمائز بين الموردين؟ فإنّ المحقّق والعلاّمة والشهيدين وأمثالهم إذا نقلوا شيئاً من أبي حنيفة، فإنّما ينقلونه عن حسّ، لمشاهدة ذلك في كتاب جامع لآرائه، وأمّا إذا نقلوا أمراً من معصوم، فإنّما ينقلونه عنه حسبما أدّت إليه آراؤهم وأنظارهم، وكيف يقاس الثاني بالاوّل.


 


وممايؤكّد أيضاً بطلان دعوى القطع بصدور أخبار الكتب الاربعة عن المعصومين عليهم السلام، اختلاف هذه الكتب في السّند أو المتن. وسنبيّن موارده في ضمن التراجم إن شاء اللّه تعالى.


 


بل يتّفق : في غير مورد : أنّ الرواية الواحدة تذكر في كتاب واحد مرّتين أو أكثر مع الإختلاف بينهما في السّند أو المتن، وأكثر هذه الكتب اختلافاً كتاب التهذيب حتى أنّه قال في الحدائق(2): (قلّما يخلو حديث فيه من ذلك(1) في متنه أو سنده). وماذكره : قدّس سرّه : وإن كان لا يخلو من نوع من المبالغة، إلاّ أنّه صحيح في الجملة. والخلل في روايات التهذيب كثير، نتعرّض لبيانه من جهة السند ضمن التراجم إن شاء اللّه.


 


ثم إنّ في الكافي : ولا سيّما في الروضة : روايات لا يسعنا التصديق بصدورها عن المعصوم عليه السلام، ولا بدّ من ردّ علمها إليهم عليهم السلام. والتعرّض لها يوجب الخروج عن وضع الكتاب، لكنّنا نتعرّض لواحدة منها ونحيل الباقي إلى الباحثين.


 


أكثر مع الإختلاف بينهما في السّ التهذيب حتى أنّه قال في الحدائق‏ - (2) - : (قلّما يخلو حديث فيه من ذلك‏ - (1) - في متنه أو سنده). وماذكره : قدّس سرّه : وإن كان لا يخلو من نوع من المبالغة، إلاّ أنّه صحيح في الجملة. والخلل في روايات التهذيب كثير، نتعرّض لبيانه من جهة السند ضمن التراجم إن شاء اللّه.


 


ثم إنّ في الكافي : ولا سيّما في الروضة : روايات لا يسعنا التصديق بصدورها عن المعصوم عليه السلام، ولا بدّ من ردّ علمها إليهم عليهم السلام. والتعرّض لها يوجب الخروج عن وضع الكتاب، لكنّنا نتعرّض لواحدة منها ونحيل الباقي إلى الباحثين.


 


(أقول): يردّ على ذلك:


 


أوّلاً: أنّ وجود الرواية الضعيفة لا يلازم الظنّ بالصدق.


 


وثانياً: أنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئاً، ودعوى الإجماع على حجّيته في المقام قطعيّة البطلان.


 


كيف وهذه الكتب الاصولية : قديماً وحديثاً : ترى أنّها ذكرت أنّ العمل بالظنّ حرام ما لم يقم دليل على حجّيته. ونسبة الحكم المظنون إلى الشارع حينئذ تشريع محرّم. وقد ذكروا موارد خاصة قام الدليل فيها على حجّية الظنّ، وموارد وقع الخلاف فيها ولم يذكر في شى‏ء من الموردين الظنون الرجالية، ولم تنسب حجّية الظنّ الرجالي إلى أحد من الاعلام، فضلاً عن أن يدّعى الإجماع عليها.


 


وهذه الكتب الفقهية الإستدلالية من زمان الشيخ إلى زمان الفاضلين المحقّق والعلاّمة ومن بعدهما: لا تجد فيها من يدّعي ذلك أبداً. وإنّما صدر هذا القول من بعض متأخّري المتأخّرين من دون ذكر منشئه. ولا يبعد أنّ منشأ ذلك تخيّله أنّ باب العلم منسدّ في باب الرجال، فينتهي الامر إلى العمل بالظنّ لا محالة.


 


ولعلّ مدّعي الإجماع على حجّية الظنّ الرجالي إستند إلى هذا أيضاً بتخيّل أنّ حجّية الظنّ : على تقدير إنسداد باب العلم : إجماعية.


 


ويردّ على هذا القول:


 


أوّلاً: أنّ باب العلم بالتوثيقات وما بحكمها غير منسدّ، بناء على ما نبيّن من جواز الإعتماد على أخبار الاعلام المتقدّمين.


 


وثانياً: أنّ إنسداد باب العلم في كل موضوع لا يوجب حجّية الظنّ في ذلك الموضوع. وإنّما العبرة في حجّية الظنّ من باب الكشف أو الحكومة بإنسداد باب العلم بمعظم الاحكام الشرعية، فان ثبت ذلك كان الظنّ بالحكم الشرعي : وإن نشأ من الظنّ الرجالى : حجّة، سواء أكان باب العلم في الرجال منسدّاً أم لم يكن، وإذا كان باب العلم والعلمي بمعظم الاحكام مفتوحاً لم يكن الظنّ الرجالي حجّة، سواء أكان باب العلم بالرجال منسدّاً أم لم يكن.


 


وعلى الجملة، فدعوى حجّية الظنّ الرجالي بخصوصه : فضلاً عن دعوى الإجماع عليها : باطلة جزماً.


 


2: نصّ أحد الاعلام المتقدّمين:


 


ومماتثبت به الوثاقة أو الحسن أن ينصّ على ذلك أحد الاعلام، كالبرقى، وابن قولويه، والكشّى، والصدوق، والمفيد، والنجاشى، والشيخ وأضرابهم. وهذا أيضاً لا إشكال فيه، وذلك من جهة الشهادة وحجّية خبر الثقة.


 


وقد ذكرنا في أبحاثنا الاصولية أنّ حجّية خبر الثقة لا تختصّ بالاحكام الشرعية، وتعمّ الموضوعات الخارجية أيضاً، إلاّ فيما قام دليل على اعتبار التعدّد كما في المرافعات، كما ذكرنا أنّه لا يعتبر في حجّية خبر الثقة العدالة، ولهذا نعتمد على توثيقات أمثال إبن عقدة وابن فضّال وأمثالهم.


 


فإن قيل: إنّ إخبارهم عن الوثاقة والحسن : لعلّه : نشأ من الحدس والإجتهاد وإعمال النظر، فلا تشمله أدلّة حجّية خبر الثقة، فإنّها لا تشمل الاخبار الحدسية، فإذا إحتمل أنّ الخبر حدسي كانت الشبهة مصداقية.


 


قلنا: إنّ هذا الإحتمال لا يعتنى به بعد قيام السيرة على حجّية خبر الثقة فيما لم يعلم أنّه نشأ من الحدس. ولا ريب في أنّ إحتمال الحدس في أخبارهم : ولو من جهة نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة : موجود وجداناً. كيف؟ وقد كان تأليف كتب الفهارس والتراجم لتمييز الصحيح من السقيم أمراً متعارفاً عندهم، وقد وصلتنا جملة من ذلك ولم تصلنا جملة أخرى. وقد بلغ عدد الكتب الرجالية من زمان الحسن بن محبوب إلى زمان الشيخ نيفاً ومئة كتاب على مايظهر من النجاشي والشيخ وغيرهما. وقد جمع ذلك البحّاثة الشهير المعاصي الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه مصفى المقال.


 


الحدسية، فإذا إحتمل أنّ الخبر حدسي كانت ال قلنا: إنّ هذا الإحتمال لا يعتنى به بعد قيام السيرة على حجّية خبر الثقة فيما لم يعلم أنّه نشأ من الحدس. ولا ريب في أنّ إحتمال الحدس في أخبارهم : ولو من جهة نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة : موجود وجداناً. كيف؟ وقد كان تأليف كتب الفهارس والتراجم لتمييز الصحيح من السقيم أمراً متعارفاً عندهم، وقد وصلتنا جملة من ذلك ولم تصلنا جملة أخرى. وقد بلغ عدد الكتب الرجالية من زمان الحسن بن محبوب إلى زمان الشيخ نيفاً ومئة كتاب على مايظهر من النجاشي والشيخ وغيرهما. وقد جمع ذلك البحّاثة الشهير المعاصي الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه مصفى المقال.


 


وهذا الشهيد الثاني في إجازته الكبيرة للشيخ عبدالصمد والد الشيخ البهائي بعد ماذكر عدّة طرق له إلى الشيخ أبي جعفر الطوسى، قال:


 


(وبهذه الطرق نروي جميع مصنّفات من تقدّم على الشيخ أبي جعفر من المشايخ المذكورين وغيرهم، وجميع ما اشتمل عليه كتابه فهرست أسماء المصنّفين وجميع كتبهم ورواياتهم بالطرق التي تضمّنتها الاحاديث. وإنّما أكثرنا الطرق إلى الشيخ أبي جعفر، لانّ أصول المذهب كلّها ترجع إلى كتبه ورواياته).


 


وعلى الجملة: فالشيخ : قدّس سرّه : هو حلقة الإتصال بين المتأخّرين وأرباب الاصول التي أخذ منها الكتب الاربعة وغيرها. ولا طريق للمتأخّرين إلى توثيقات رواتها وتضعيفهم غالباً إلاّ الإستنباط، وإعمال الرأي والنظر.


 


وممايؤكّد ماذكرناه من انقطاع السلسلة أنّ كتاب الكشّي الذي هو أحد الاصول الرجالية : وقد حكى عنه النجاشي في رجاله : لم يصل إلى المتأخّرين، فلم ينقلوا عنه شيئاً، وإنّما وصل إليهم اختيار الكشّي الذي رتّبه الشيخ واختاره من كتاب الكشّى. وكذلك كتاب رجال ابن الغضائرى. فانّه لم يثبت عند المتأخِّرين، وقد ذكره ابن طاووس عند ذكره طرقه إلى الاصول الرجالية أنّه لا طريق له إلى هذا الكتاب. وأمّا العلاّمةة وابن داود والمولى القهباني فانّهم وإن كانوا يحكون عن هذا الكتاب كثيراً إلاّ أنّهم لم يذكروا إليه طريقاً. ومن المطمأن به عدم وجود طريق لهم إليه.


 


وهذا العلاّمة قد ذكر في إجازته الكبيرة أسماء الكتب التي له طريق إليها، حتى أنّه : مضافاً إلى ماذكره من كتب أصحابنا المتقدّمين على الشيخ والمتأخِّرين عنه : ذكر شيئاً كثيراً من كتب العامة في الحديث والفقه والادب وغير ذلك. ومع ذلك فلم يذكر رجال ابن الغضائري في ماذكره من الكتب. وهذا كاشف عن أنّه لم يكن له طريق إليه، وإلاّ لكان هذا أولى بالذكر من أكثر ماذكره في تلك الاجازة.


 


نعم إنّ الشهيد الثاني في إجازته المتقدمة، والآغا حسين الخونساري في إجازته لتلميذه الامير ذي الفقار ذكرا كتاب الرجال للحسين بن عبيد اللّه بن الغضائري في ضمن الكتب التي ذكرا طريقهما إليها.


 


فربّما يستظهر من ذلك أنّ كتاب الرجال للحسين بن عبيد اللّه قد وصل إليهما وكان عندهما، ولكن واقع الامر على خلاف ذلك، فإنّ الشهيد قدّس سرّه يذكر في طريقه إلى هذا الكتاب العلاّمة، وأنّه يروي هذا الكتاب بطريق العلاّمة إليه. وقد عرفت أنّ المطمأنّ به أنّ العلاّمة لا طريق له إلى هذا الكتاب.


 


هذا، مضافاً إلى أنّ الشهيد يوصل طريقه إلى النجاشي عن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري وهذا على خلاف الواقع، فإنّ الحسين بن عبيد اللّه شيخ النجاشى، وتعرّض النجاشي لترجمته وذكر كتبه ولم يذكر فيها كتاب الرجال، بل لم ينقل عنه في مجموع كتابه شيئاً يستشعر منه أنّ له كتاب الرجال، وكذلك الشيخ يروي عن الحسين بن عبيد اللّه كثيراً، ولم ينسب إليه كتاب الرجال، ولا مايستشعر منه وجود كتاب له في الرجال.


 


طريقه إلى هذا الكتاب العلاّمة، وأنّه ير وقد عرفت أنّ المطمأنّ به أنّ العلاّمة لا طريق له إلى هذا الكتاب.


 


هذا، مضافاً إلى أنّ الشهيد يوصل طريقه إلى النجاشي عن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري وهذا على خلاف الواقع، فإنّ الحسين بن عبيد اللّه شيخ النجاشى، وتعرّض النجاشي لترجمته وذكر كتبه ولم يذكر فيها كتاب الرجال، بل لم ينقل عنه في مجموع كتابه شيئاً يستشعر منه أنّ له كتاب الرجال، وكذلك الشيخ يروي عن الحسين بن عبيد اللّه كثيراً، ولم ينسب إليه كتاب الرجال، ولا مايستشعر منه وجود كتاب له في الرجال.


 


طريقه إلى هذا الكتاب العلاّمة، وقد عرفت أنّ المطمأنّ به أنّ العلاّمة لا طريق له إلى هذا الكتاب.


 


الضّمني للاشخاص الذين تمّ توثيقهم ضمن توثيق غيرهم.


 


(ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا، ورواة مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض اللّه طاعتهم...) فإنّ في هذا الكلام دلالة ظاهرة على أنّه لايروي في كتابه هذا إلاّ عن ثقة، بل استفاد صاحب الوسائل في الفائدة السادسة في كتابه في ذكر شهادة جمع كثير من علماءنا بصحّة الكتب المذكورة وأمثالها وتواترها وثبوتها عن مؤلفيها وثبوت أحاديثها عن أهل بيت العصمة عليهم السلام أنّ كل من وقع في إسناد روايات تفسير علي بن إبراهيم المنتهية إلى المعصومين عليهم السلام، قد شهد علي بن إبراهيم بوثاقته، حيث قال: (وشهد علي بن إبراهيم أيضاً بثبوت أحاديث تفسيره وأنّها مرويّة عن الثقات عن الائمة عليهم السلام).


 


أقول: إنّ مااستفاده : قدّس سرّه : في محلّه، فإنّ علي بن إبراهيم يريد بما ذكره إثبات صحّة تفسيره، وأنّ رواياته ثابتة وصادرة من المعصومين عليهم السلام، وإنّها إنتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة. وعلى ذلك فلا موجب لتخصيص التوثيق بمشايخه الذين يروي عنهم علي بن إبراهيم بلا واسطة كما زعمه بعضهم.


 


وبما ذكرناه نحكم بوثاقة جميع مشايخه الذين وقعوا في إسناد كامل الزيارات أيضاً، فإنّ جعفر بن قولويه قال في أول كتابه: (وقد علمنا بأنّا لانحيط بجميع ماروي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره، لكن ماوقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم اللّه برحمته ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذّاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم...).


 


فإنّك ترى أنّ هذه العبارة واضحة الدلالة على أنّه لايروي في كتابه رواية عن المعصوم إلاّ وقد وصلت إليه من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم اللّه، قال صاحب الوسائل بعدما ذكر شهادة علي بن إبراهيم بأنّ روايات تفسيره ثابتة ومرويّة عن الثقات من الائمة عليهم السلام: (وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه، فإنّه صرّح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره).


 


أقول: إنّ ماذكره متين، فيحكم بوثاقة من شهد علي بن إبراهيم أو جعفر ابن محمد بن قولويه بوثاقته، اللّهم إلاّ أن يبتلي بمعارض.


 


وممّن شهد بوثاقة جماعة : على نحو الإجمال : النجاشى، فانّه يظهر منه توثيق جميع مشايخه. قال : قدّس سرّه : في ترجمة أحمد بن محمد بن عبيداللّه بن الحسن الجوهرى: (رأيت هذا الشيخ وكان صديقاً لي ولوالدي وسمعت منه شيئاً كثيراً، ورأيت شيوخنا يضعّفونه فلم أرو عنه شيئاً، وتجنّبته...). وقال في ترجمة محمد بن عبداللّه بن محمد بن عبيداللّه بن البهلول: (وكان في أول أمره ثبتاً ثم خلط، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ويضعّفونه... رأيت هذا الشيخ، وسمعت منه كثيراً، ثم توقفت عن الرواية عنه إلاّ بواسطة بيني وبينه).


 


ولاشكّ في ظهور ذلك في أنّه لايروي عن ضعيف بلا واسطة فيحكم بوثاقة جميع مشايخه. هذا وقد يقال: إنّه لايظهر من كلامه إلاّ أنّه لايروي بلا واسطة عمّن غمز فيه أصحابنا أو ضعّفوه. ولا دلالة فيه على أنّه لايروي عمّن لم يثبت ضعفه ولا وثاقته، إذاً لايمكن الحكم بوثاقة جميع مشايخه، ولكنّه لايتمّ. فإنّ الظاهر من قوله: (ورأيت جلّ أصحابنا...). أنّ الرؤية أخذت طريقاً إلى ثبوت الضعف، ومعناه أنّه لايروي عن الضعيف بلا واسطة، فكل من روى عنه فهو ليس بضعيف، فيكون ثقة لا محالة.


 


ورأيت شيوخنا يضعّفونه فلم أرو عنه شيئ ًعبداللّه بن محمد بن عبيداللّه بن البهلول: (وكان في أول أمره ثبتاً ثم خلط، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ويضعّفونه... رأيت هذا الشيخ، وسمعت منه كثيراً، ثم توقفت عن الرواية عنه إلاّ بواسطة بيني وبينه).


 


ولاشكّ في ظهور ذلك في أنّه لايروي عن ضعيف بلا واسطة فيحكم بوثاقة جميع مشايخه. هذا وقد يقال: إنّه لايظهر من كلامه إلاّ أنّه لايروي بلا واسطة عمّن غمز فيه أصحابنا أو ضعّفوه. ولا دلالة فيه على أنّه لايروي عمّن لم يثبت ضعفه ولا وثاقته، إذاً لايمكن الحكم بوثاقة جميع مشايخه، ولكنّه لايتمّ. فإنّ الظاهر من قوله: (ورأيت جلّ أصحابنا...). أنّ الرؤية أخذت طريقاً إلى ثبوت الضعف، ومعناه أنّه لايروي عن الضعيف بلا واسطة، فكل من روى عنه فهو ليس بضعيف، فيكون ثقة لا محالة.


 


وبعبارة واضحة إنّه فرّغ عدم روايته عن شخص برؤيته أنّ شيوخه يضعّفونه. ومعنى ذلك أنّ عدم روايته عنه مترتّب على ضعفه، لا على التضعيف من الشيوخ، ولعلّ هذا ظاهر.


 


وهذا الذي ذكرناه هو المهم من التوثيقات العامّة، ويأتي عن النجاشي في ترجمة عبيداللّه بن أبي شعبة الحلبى: (أنّ آل أبي شعبة بيت بالكوفة وهم ثقات جميعاً)، وفي ترجمة محمد بن الحسن بن أبي سارة: (أنّ بيت الرواسي كلّهم ثقات)، ويأتي عن الشيخ في ترجمة علي بن الحسن بن محمد الطائى: (أنّ من روى عنه علي بن الحسن الطاطري في كتبه يوثق به وبروايته).


 


بقي هنا أمران:


 


الاول: أنّ الشيخ محمد ابن المشهدى، قال في أول مزاره: (فإنّي قد جمعت في كتابه هذا من فنون الزّيارات للمشاهد، وما ورد في الترغيب في المساجد المباركات والادعية المختارات ومايدعى به عقيب الصلوات ومايناجى به القديم تعالى من لذيذ الدعوات والخلوات، ومايلجأ إليه من الادعية عند المهمّات، ممّا إتصلت به ثقات الرواة إلى السادات...).


 


وهذا الكلام منه صريح في توثيق جميع من وقع في إسناد روايات كتابه. لكنّه لايمكن الإعتماد على ذلك من وجهين:


 


1: أنّه لم يظهر إعتبار هذا الكتاب في نفسه، فإنّ محمد ابن المشهدي لم يظهر حاله، بل لم يعلم شخصه وإن أصرّ المحدّث النّورى: على أنّه محمد بن جعفر بن علي بن جعفر المشهدي الحائرى، فإنّ ماذكره في وجه ذلك لايورث إلاّ الظنّ.


 


2: أنّ محمد ابن المشهدي من المتأخّرين، وقد مرّ أنّه لا عبرة بتوثيقاتهم لغير من يقرب عصرهم من عصره، فإنّا قد ذكرنا أنّ هذه التوثيقات مبنيّة على النظر والحدس، فلا يترتّب عليها أثر.


 


الثاني: أنّ الصدوق قال في أول كتابه المقنع: (وحذفت الإسناد منه لئلاّ يثقل حمله، ولايصعب حفظه، ولايملّه قاريه، إذ كان ماأبيّنه فيه في الكتب الاصولية موجوداً مبيّناً عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهم اللّه).


 


وهذا الكلام قد يوهم أنّه شهادة إجمالية من الشيخ الصدوق بوثاقة رواة ماذكره في كتابه، فلا بدّ وأن يعامل معه معاملة الخبر الصحيح.


 


ولكنّ ذلك خلاف الواقع، فإنّ الشيخ الصدوق لايريد بذلك أنّ رواة ماذكره في كتابه ثقات إلى أن يتّصل بالمعصوم عليه السلام، وإنّما يريد بذلك أنّ مشايخه الثقات قد رووا هذه الروايات، وهو يحكم بصحّة مارواه الثقات الفقهاء وأثبتوه في كتبهم، على ماستعرفه.


 


والذي يدلّ على ماذكرناه أنّ الشيخ الصدوق وصف المشايخ بالعلماء الفقهاء الثقات، وقلّ مايوجد ذلك في الروايات في تمام سلسلة السّند، فكيف يمكن إدّعاء ذلك في جميع ماذكره في كتابه.


 


ولكنّ ذلك خلاف الواقع، فإنّ الشيخ ال كتابه ثقات إلى أن يتّصل بالمعصوم عليه السلام، وإنّما يريد بذلك أنّ مشايخه الثقات قد رووا هذه الروايات، وهو يحكم بصحّة مارواه الثقات الفقهاء وأثبتوه في كتبهم، على ماستعرفه.


 


والذي يدلّ على ماذكرناه أنّ الشيخ الصدوق وصف المشايخ بالعلماء الفقهاء الثقات، وقلّ مايوجد ذلك في الروايات في تمام سلسلة السّند، فكيف يمكن إدّعاء ذلك في جميع ماذكره في كتابه.


 


ولكنّ ذلك خلاف الواقع، فإنّ ال كتابه ثقات إلى أن يتّصل بالمعصوم عليه السلام، وإنّما يريد بذلك أنّ مشايخه الثقات قد رووا هذه الروايات، وهو يحكم بصحّة مارواه الثقات الفقهاء وأثبتوه، وبذلك يظهر الحال فيما ذكره الطبري في ديباجة كتابه: بشارة المصطفى، قال: (ولا أذكر فيه إلاّ المسند من الاخبار، عن المشايخ الكبار والثقات الاخيار). على أنّه قد مرّ أنّه لا عبرة بتوثيقات المتأخّرين لغير من يقرب عصره من عصرهم.


 


المقدّمة الرابعة


 


 


 


الوقوف على مناشى سائر التوثيقات العامّة.


 


 


 


عدم حجّية هذه التوثيقات.


 


 


 


نفي دلالة نصوصها على التوثيق.


 


 


 


مناقشة سائر التوثيقات العامّة


 


 


 


إنّ ماقيل بثبوته في التوثيقات العامّة أو الحسن موارد:


 


1: أصحاب الصادق في رجال الشيخ:


 


قيل إنّ جميع من ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام ثقات. واستدلّوا على ذلك بما ذكره الشيخ المفيد(1) في أحوال الصادق عليه السلام، قال: (إنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه عليه السلام من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف).


 


وقال ابن شهرآشوب: (نقل عن الصادق عليه السلام من العلوم ما لم ينقل عن أحد. وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات، وكانوا أربعة آلاف رجل). وقال: (إنّ ابن عقدة مصنّف كتاب الرجال لابي عبداللّه عدّدهم فيه...)(2)


 


وقد ذكر الشيخ في أول رجاله بأنّه يذكر فيه جميع من ذكره ابن عقدة.


 


وممّن مال إلى هذا القول الشيخ الحرّ : قدّس سرّه ؤ، قال في أمل الآمل في ترجمة خليد بن أوفى أبي الربيع الشامى: (ولو قيل بتوثيقه وتوثيق جميع أصحاب الصادق عليه السلام إلاّ من ثبت ضعفه لم يكن بعيداً، لانّ المفيد في الارشاد، وابن شهر آشوب في معالم العلماء(1) والطبرسي في إعلام الورى قد وثّقوا أربعة آلاف من أصحاب الصادق عليه السلام، والموجود منهم في كتب الرجال والحديث لايبلغون ثلاثة آلاف. وذكر العلاّمة وغيره أنّ ابن عقدة جمع الاربعة آلاف المذكورين في كتب الرجال...).


 


أقول: الاصل في ذلك هو الشيخ المفيد : قدّس سرّه : وتبعه على ذلك ابن شهر آشوب وغيره. وأمّا إبن عقدة فهو وإن نسب إليه أنّه عدّد أصحاب الصادق عليه السلام أربعة آلاف، وذكر لكل واحد منهم حديثاً إلاّ أنّه لم ينسب إليه توثيقهم. وتوهّم المحدّث النّوري أنّ التّوثيق إنّما هو من ابن عقدة، ولكنّه باطل جزماً.


 


عليه السلام أربعة آلاف، وذكر لكل واحد منهم حديثاً إلاّ أنّه لم ينسب إليه توثيقهم. وتوهّم المحدّث النّوري أنّ التّوثيق إنّما هو من ابن عقدة، ولكنّه باطل جزماً.


 


وكيف كان فهذه الدعوى غير قابلة للتصديق، فإنّه إن أريد بذلك أنّ أصحاب الصادق عليه السلام كانوا أربعة آلاف كلّهم كانوا ثقات: فهي تشبه دعوى أنّ كل من صحب النبي صلّى اللّه عليه وآله عادل، مع أنّه ينافيها تضعيف الشيخ جماعة، منهم إبراهيم بن أبي حبّة، والحارث بن عمر البصرى، وعبدالرحمن بن الهلقام، وعمرو بن جميع، وجماعة أخرى غيرهم. وقد عدّ الشيخ أبا جعفر الدوانيقي من أصحاب الصادق عليه السلام، أفهل يحكم بوثاقته بذلك؟ وكيف تصحّ هذه الدعوى مع أنّه لاريب في أنّ الجماعة المؤلّفة من شتّى الطبقات على إختلافهم في الآراء والإعتقادات يستحيل عادة أن يكون جميعهم ثقات.


 


وإن أريد بالدعوى المتقدّمة أنّ أصحاب الصادق كانوا كثيرين، إلاّ أنّ الثقات منهم أربعة آلاف، فهي في نفسها قابلة للتصديق، إلاّ أنّها مخالفة للواقع، فإنّ أحمد بن نوح زاد على ماجمعه ابن عقدة ممّن روى عن الصادق عليه السلام على ماذكره النجاشى، والزيادة كثيرة على ماذكره الشيخ في ترجمة أحمد بن نوح، والشيخ مع حرصه على جميع الاصحاب حتى من لم يذكره ابن عقدة على ماصرّح به في أول رجاله. ولاجل ذلك ذكر موسى بن جعفر عليه السلام والمنصور الدّوانيقي في أصحاب الصادق عليه السلام، ومع ذلك فلم يبلغ عدد ماذكره الشيخ أربعة آلاف. فإنّ المذكورين في رجاله لايزيدون على ثلاثة آلاف إلاّ بقليل، على أنّه لو سلّمت هذه الدعوى لم يترتّب عليها أثر أصلاً، فلنفرض أنّ أصحاب الصادق عليه السلام كانوا ثمانية آلاف، والثقات منهم أربعة آلاف، لكن ليس لنا طريق إلى معرفة الثّقات منهم، ولا شى‏ء يدلّنا على أنّ جميع من ذكره الشيخ من قسم الثقات، بل الدليل قائم على عدمه كما عرفت.


 


2: سند أصحاب الإجماع:


 


ومماقيل بثبوته في التوثيقات العامّة أو الحسن هو وقوع شخص في سند رواية رواها أحد أصحاب الإجماع، وهم ثمانية عشر رجلاً على مايأتى، فذهب جماعة إلى الحكم بصحّة كل حديث رواه أحد هؤلاء إذا صحّ السّند إليه، حتى إذا كانت روايته عمّن هو معروف بالفسق والوضع، فضلاً عمّا إذا كانت روايته عن مجهول أو مهمل، أو كانت الرواية مرسلة، وقد اختار هذا القول صريحاً صاحب الوسائل في أوائل الفائدة السابعة من خاتمة كتابه.


 


أقول: الاصل في دعوى الإجماع هذه هو الكشّي في رجاله، فقد قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام:


 


1: (أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الاولين من أصحاب أبي جعفر، وأصحاب أبي عبداللّه عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا أفقه الاولين ستّة: زرارة، ومعروف بن خرّبوذ، وبريد، وأبو بصير الاسدى، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفى. قالوا: وأفقه الستّة: زرارة. وقال بعضهم: مكان أبي بصير الاسدي أبو بصير المرادى، وهو ليث بن البخترى)(1).


 


وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام:


 


(أقول): الاصل في دعوى تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما السلام:


 


1: (أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الاولين من أصحاب أبي جعفر، وأصحاب أبي عبداللّه عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا أفقه الاولين ستّة: زرارة، ومعروف بن خرّبوذ، وبريد، وأبو بصير الاسدى، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفى. قالوا: وأفقه الستّة: زرارة. وقال بعضهم: مكان أبي بصير الاسدي أبو بصير المرادى، وهو ليث بن البخترى) (1).


 


وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام:


 


2: (أجمعت العصابة على تصحيح مايصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه من دون أولئك الستّة الذين عددناهم وسمّيناهم(2) ستّة نفر: جميل بن درّاج، وعبداللّه بن مسكان، وعبداللّه بن بكير، وحمّاد بن عثمان، وحمّاد بن عيسى، وأبان بن عثمان قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه : وهو ثعلبة ابن ميمون : إنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج، وهم أحداث أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام)(3).


 


وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم، وأبي الحسن الرضا عليهم السلام:


 


3: (أجمع أصحابنا على تصحيح مايصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، وهم ستّة نفر آخر، دون الستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، منهم: يونس بن عبدالرحمان، وصفوان بن يحيى بيّاع السّابرى، ومحمد بن أبي عمير، وعبداللّه بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد ابن محمد بن أبي نصر. وقال بعضهم: مكان الحسن بن محبوب، الحسن بن علي ابن فضّال، وفضالة بن أيّوب. وقال بعضهم: مكان فضالة بن أيّوب عثمان بن عيسى، وأفقه هؤلاء يونس بن عبدالرحمان، وصفوان بن يحيى)(1).


 


وأمّا من تأخّر عن الكشّى، فقد نقل عنه الإجماع، أو أنّه إدّعى الإجماع تبعاً له، فقد ذكر السيّد بحر العلوم : قدّس سرّه : في منظومته الإجماع على تصحيح مايصحّ عن المذكورين. ولكنّه في فوائده في ترجمة ابن أبي عمير: حكى دعوى الإجماع عن الكشّى، واعتمد على حكايته، فحكم بصحّة أصل زيد النرسى، لانّ راويه ابن أبي عمير.


 


وكيف كان فمن الظاهر أنّ كلام الكشّي لاينظر إلى الحكم بصحّة مارواه أحد المذكورين عن المعصومين عليهم السلام، حتى إذا كانت الرواية مرسلة أو مرويّة عن ضعيف أو مجهول الحال، وإنّما ينظر إلى بيان جلالة هؤلاء، وأنّ الإجماع قد إنعقد على وثاقتهم وفقههم وتصديقهم في مايروونه. ومعنى ذلك أنّهم لايهتمون بالكذب في أخبارهم وروايتهم، وأين هذا من دعوى الاجماع على الحكم بصحّة جميع مارووه عن المعصومين عليهم السلام، وإن كانت الواسطة مجهولاً أو ضعيفاً؟!.


 


قال أبو علي في المقدّمة الخامسة من رجاله عند تعرّضه للإجماع المدّعى على تصحيح مايصحّ عن جماعة: (وادّعى السيّد الاستاذ دام ظلّه : السيد علي صاحب الرياض : أنّه لم يعثر في الكتب الفقهية : من أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديّات : على عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف محتجّاً بأنّ في سنده أحد الجماعة وهو إليه صحيح).


 


أقول: لابدّ أنّ السيّد صاحب الرّياض أراد بذلك أنّه لم يعثر على ذلك في كلمات من تقدّم على العلاّمة : قدّس سرّه ؤ، وإلاّ فهو موجود في كلمات جملة من المتأخّرين كالشهيد الثاني والعلاّمة المجلسي والشيخ البهائى. ويبعد أن يخفى ذلك عليه.


 


ثم إنّ التصحيح المنسوب إلى الاصحاب في كلمات جماعة، منهم: صاحب الوسائل : على ماعرفت : نسبة المحقق الكاشاني في أوائل كتابه الوافي إلى المتأخّرين، وهو ظاهر في أنّه أيضاً لم يعثر على ذلك في كلمات المتقدّمين.


 


تصحيح مايصحّ عن جماعة: (وادّعى الرياض : أنّه لم يعثر في الكتب الفقهية : من أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديّات : على عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف محتجّاً بأنّ في سنده أحد الجماعة وهو إليه صحيح).


 


(أقول): لابدّ أنّ السيّد صاحب الرّياض أراد بذلك أنّه لم يعثر على ذلك في كلمات من تقدّم على العلاّمة : قدّس سرّه ؤ، وإلاّ فهو موجود في كلمات جملة من المتأخّرين كالشهيد الثاني والعلاّمة المجلسي والشيخ البهائى. ويبعد أن يخفى ذلك عليه.


 


ثم إنّ التصحيح المنسوب إلى الاصحاب في كلمات جماعة، منهم: صاحب الوسائل : على ماعرفت : نسبة المحقق الكاشاني في أوائل كتابه الوافي إلى المتأخّرين، وهو ظاهر في أنّه أيضاً لم يعثر على ذلك في كلمات المتقدّمين.


 


أواخر بحثه عن خبر الواحد في كتاب العدّة: (وإذا كان أحد الراويين مسنداً والآخر مرسلاً، نظر في حال المرسل. فإن كان ممّن يعلم أنّه لايرسل إلاّ عن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولاجل ذلك سوّت الطائفة بين مايرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لايروون ولايرسلون إلاّ عمّن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم...).


 


ولكنّ هذه الدعوى باطلة، فإنّها إجتهاد من الشيخ قد استنبطه من إعتقاده تسوية الاصحاب بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم. وهذا لايتم.


 


أوّلاً: بأنّ التسوية المزبورة لم تثبت، وإن ذكرها النجاشي أيضاً في ترجمة محمد بن أبي عمير، وذكر أنّ سببها ضياع كتبه وهلاكها، إذ لو كانت هذه التسوية صحيحة، وأمراً معروفاً متسالماً عليه بين الاصحاب، لذكرت في كلام أحد من القدماء لامحالة، وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر.


 


فمن المطمأن به أنّ منشأ هذه الدعوى هو دعوى الكشّي الإجماع على تصحيح مايصحّ عن هؤلاء. وقد زعم الشيخ أنّ منشأ الإجماع هو أنّ هؤلاء لايروون إلاّ عن ثقة، وقد مرّ قريباً بطلان ذلك. ويؤكّد ماذكرناه أنّ الشيخ لم يخصّ ماذكره بالثلاثة المذكورين بل عمّمه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لايروون إلاّ عمّن يوثق به. ومن الظاهر أنّه لم يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوى الكشّي الإجماع على التصحيح، والشيخ بنفسه أيضاً لم يدّع ذلك في حق أحد غير الثلاثة المذكورين في كلامه.


 


وممايكشف عمّا ذكرناه : من أنّ نسبة الشيخ التسوية المذكورة إلى الاصحاب مبتنية على اجتهاده، وهي غير ثابتة في نفسها : إنّ الشيخ بنفسه ذكر رواية محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1). ثم قال في كلا الكتابين: (فأوّل مافيه أنّه مرسل، وما هذا سبيله لايعارض به الاخبار المسندة).


 


وأيضاً ذكر رواية محمد بن علي بن محبوب، عن العباس عن عبداللّه بن المغيرة عن بعض أصحابه عن أبي عبداللّه عليه السلام(1).


 


وقال في التهذيب: (وهذا خبر مرسل)، وقال في الاستبصار: (فأوّل ما في هذا الخبر أنّه مرسل) وغير ذلك من الموارد التي ناقش الشيخ فيها بالإرسال، وإن كان المرسل ابن أبي عمير أو غيره من أصحاب الإجماع.


 


وتقدّم عند البحث عن قطعيّة روايات الكتب الاربعة مناقشته في رواية ابن بكير وابن فضّال، وأنّهما مرسلان لايعارض بهما الاخبار المسندة.


 


وثانياً: فرضنا أنّ التسوية المزبورة ثابتة، وأنّ الاصحاب عملوا بمراسيل ابن أبي عمير، وصفوان، والبزنطي وأضرابهم. ولكنّها لاتكشف عن أنّ منشأها هو أنّ هؤلاء لايروون ولايرسلون إلاّ عن ثقة، بل من المظنون قوياً أنّ منشأ ذلك هو بناء العامل على حجّية خبر كل إمامي لم يظهر منه فسق، وعدم اعتبار الوثاقة فيه، كما نسب هذا إلى القدماء، واختاره جمع من المتأخّرين: منهم العلاّمة : قدّس سرّه : على ماسيجى‏ء في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن عبداللّه. وعليه فلا أثر لهذه التسوية بالنسبة إلى من يعتبر وثاقة الراوي في حجّية خبره.


 


ثالثاً: أنّ هذه الدعوى، وأنّ هؤلاء الثلاثة وأضرابهم من الثقات لايروون ولايرسلون إلاّ عن ثقة: دعوى دون إثباتها خرط القتاد. قانّ معرفة ذلك في غير ما إذا صرّح الراوي بنفسه أنّه لايروي ولايرسل إلاّ عن ثقة، أمر غير ميسور. ومن الظاهر أنّه لم ينسب إلى أحد هؤلاء إخباره وتصريحه بذلك، وليس لنا طريق آخر لكشفه. غاية الامر عدم العثور برواية هؤلاء عن ضعيف، لكنّه لايكشف عن عدم الوجود، على أنّه لو تمّت هذه الدّعوى فإنّما تتمّ في المسانيد دون المراسيل، فإنّ ابن أبي عمير بنفسه قد غاب عنه أسماء من روى عنهم بعد ضياع كتبه، فاضطرّ إلى أن يروي مرسلاً على مايأتي في ترجمته، فكيف يمكن لغيره أن يطّلع عليهم ويعرف وثاقتهم، فهذه الدعوى ساقطة جزماً!.


 


الشامى‏ - (1) - وعبداللّه بن محمد الشامي ضعيف.


 


وروى الشيخ بسند صحيح، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسن ابن علي بن أبي حمزة - (2) - والحسن بن علي بن أبي حمزة ضعيف.


 


ثم إنّا قد ذكرنا جملة من الموارد التي ورد فيها رواية هؤلاء الثلاثة من الضعفاء، وهي غير منحصرة فيما ذكرناه ستقف على بقيّتها عند تعرّضنا لجميع من روى هؤلاء عنهم.


 


إن قلت: إنّ رواية هؤلاء الضعفاء : كما ذكرت : لاتنافي دعوى الشيخ أنَّهم لايروون إلاّ عن ثقة، فإنّ الظاهر أنّ الشيخ يريد بذلك أنّهم لايروون إلاّ عن ثقة عندهم، فرواية أحدهم عن شخص شهادة منه على وثاقته. وهذه الشهادة يؤخذ بها ما لم يثبت خلافها، وقد ثبت خلافها كالموارد المتقدّمة.


 


رابعاً: قد ثبت رواية هؤلاء عن الضعفاء في موارد ذكر جملة منها الشيخ بنفسه. ولا أدري أنّه مع ذلك كيف يدّعي أنّ هؤلاء لايروون عن الضعفاء؟ فهذا صفوان روى عن علي بن أبي حمزة البطائني كتابه، ذكره الشيخ. وهو الذي قال فيه علي بن الحسن بن فضّال: (كذّاب ملعون). وروى محمد بن يعقوب بسند صحيح عن صفوان بن يحيى عن علي بن أبي حمزة(1).


 


وروى الشيخ بسند صحيح عن صفوان، وابن أبي عمير عن يونس بن ظبيان(2)، ويونس بن ظبيان ضعّفه النجاشي والشيخ.


 


روى بسند صحيح عن صفوان بن يحيى عن أبي جميلة(3)، وأبو جميلة هو المفضّل بن صالح ضعّفه النجاشى.


 


وروى أيضاً بسند صحيح عن صفوان، عن عبداللّه بن خدّاش (4) وعبداللّه بن خدّاش ضعّفه النجاشى.


 


وهذا ابن أبي عمير، روى عن علي بن أبي حمزة البطائني كتابه، ذكره النجاشي والشيخ، وروى محمد بن يعقوب بسند صحيح عن ابن أبي عمير عن علي بن أبي حمزة(1). وروى بسند صحيح عن ابن أبي عمير عن الحسين بن أحمد المنقرى(2)، والحسين بن أحمد المنقرى، ضعّفه النجاشي والشيخ.


 


وروى الشيخ بسند صحيح عن ابن أبي عمير، عن علي بن حديد(3) وعلي ابن حديد ضعّفه الشيخ في موارد من كتابيه وبالغ في تضعيفه.


 


وتقدّمت روايته عن يونس بن ظبيان آنفاً. وأمّا روايته عن المجاهيل غير المذكورين في الرجال فكثيرة تقف عليها في محلّه إن شاء اللّه تعالى.


 


وهذا أحمد بن محمد بن أبي نصر، روى عن المفضّل بن صالح في موارد كثيرة. وروى عنه أيضاً في موارد كثيرة بعنوان أبي جميلة.


 


روى محمد بن يعقوب بسند صحيح، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن المفضّل بن صالح(4).


 


وروى بسنده الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبداللّه بن محمد الشامى(1) وعبداللّه بن محمد الشامي ضعيف.


 


وروى الشيخ بسند صحيح، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسن ابن علي بن أبي حمزة(2) والحسن بن علي بن أبي حمزة ضعيف.


 


ثم إنّا قد ذكرنا جملة من الموارد التي ورد فيها رواية هؤلاء الثلاثة من الضعفاء، وهي غير منحصرة فيما ذكرناه ستقف على بقيّتها عند تعرّضنا لجميع من روى هؤلاء عنهم.


 


إن قلت: إنّ رواية هؤلاء الضعفاء : كما ذكرت : لاتنافي دعوى الشيخ أنَّهم لايروون إلاّ عن ثقة، فإنّ الظاهر أنّ الشيخ يريد بذلك أنّهم لايروون إلاّ عن ثقة عندهم، فرواية أحدهم عن شخص شهادة منه على وثاقته. وهذه الشهادة يؤخذ بها ما لم يثبت خلافها، وقد ثبت خلافها كالموارد المتقدّمة.


 


وروى الشيخ بسند صحيح، عن أحمد حمزة - (2) - والحسن بن علي بن أبي حمزة ضعيف.


 


ثم إنّا قد ذكرنا جملة من الموارد التي ورد فيها رواية هؤلاء الثلاثة من الضعفاء، وهي غير منحصرة فيما ذكرناه ستقف على بقيّتها عند تعرّضنا لجميع من روى هؤلاء عنهم.


 


إن قلت: إنّ رواية هؤلاء الضعفاء : كما ذكرت : لاتنافي دعوى الشيخ أنَّهم لايروون إلاّ عن ثقة، فإنّ الظاهر أنّ الشيخ يريد بذلك أنّهم لايروون إلاّ عن ثقة عندهم، فرواية أحدهم عن شخص شهادة منه على وثاقته. وهذه الشهادة يؤخذ بها ما لم يثبت خلافها، وقد ثبت خلافها كالموارد المتقدّمة.


 


وعبداللّه بن محمد الشامي ضعيف.


 


قلت: لايصحّ ذلك، بل الشيخ أراد بما ذكر: أنّهم لايروون ولايرسلون إلاّ عن ثقة في الواقع ونفس الامر، لا من يكون ثقة باعتقادهم إذ لو أراد ذلك لم يمكن الحكم بالتسوية بين مراسليهم ومسانيد غيرهم، فإنّه إذا ثبت في موارد روايتهم من الضعفاء : وإن كانوا ثقات عندهم : لم يمكن الحكم بصحّة مراسليه، إذ من المحتمل أنّ الواسطة هو من ثبت ضعفه عنه، فكيف يمكن الاخذ بها؟. ولذلك قال المحقّق في المعتبر في آداب الوضوء:


 


(ولو إحتجّ بما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا... كان الجواب الطّعن في السّند لمكان الارسال، ولو قال مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الاصحاب، منعنا ذلك، لانّ في رجاله من طعن الاصحاب فيه، وإذا أرسل أحتمل أن يكون الراوي أحدهم).


 


والمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ ماذكره الشيخ من أنّ هؤلاء الثلاثة: صفوان، وابن أبي عمير، وأحمد بن محمد بن أبي نصر. لايروون ولايرسلون إلاّ عن ثقة غير قابل للتصديق. وهو أعلم بما قال.


 


وأمّا بقية أصحاب الإجماع، فرواية جملة منهم عن غير المعصوم قليلة جدّاً، وروى جماعة منهم عن الضعفاء. وستقف على مواردها في مايأتي ونذكر : هنا : بعضها:


 


1: هذا سالم بن أبي حفصة قد تضافرت الروايات في ذمّه وضلاله وإضلاله، روى محمد بن يعقوب بسند صحيح عن زرارة عنه(1).


 


2: وهذا عمرو بن شمر، بالغ النجاشي في تضعيفه، وروى عنه جماعة من أصحاب الإجماع، روى محمد بن يعقوب بسند صحيح عن حماد بن عيسى عنه(2).


 


وروى بسند صحيح أيضاً عن يونس بن عبدالرحمن عنه(3).


 


وروى بسند صحيح أيضاً عن ابن محبوب عنه(4).


 


وروى بسند صحيح أيضاً عن عبداللّه بن المغيرة عنه(1).


 


بقي الكلام في جماعة أخرى قيل إنّهم لايروون إلاّ عن ثقة، فكل من رووا عنه فهو ثقة:


 


1: منهم: أحمد بن محمد بن عيسى:


 


واستدلّوا على أنّه لايروي إلاّ عن ثقة، بأنّه أخرج أحمد بن محمد بن خالد من قم لروايته عن الضعّاف، فيظهر من ذلك إلتزامه بعدم الرواية عن الضعيف.


 


ويردّه:


 


أنّ الرواية عن الضعاف كثيراً كان يعدّ قدحاً في الراوى، فيقولون أنّ فلاناً يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل. ومعنى ذلك: أنّه لم يكن متثبّتاً في أمر الرواية، فيروي كل ماسمعه عن أيّ شخص كان. وأمّا الرواية عن ضعيف أو ضعيفين أو أكثر في موارد خاصّة فهذا لايكون قدحاً. ولايوجد في الرواة من لم يرو عن ضعيف أو مجهول أو مهمل، إلاّ نادراً. ويدلّ على ماذكرناه: أنّ أحمد بن محمد بن عيسى بنفسه روى عن عدّة من الضعفاء، نذكر جملة منهم:


 


قسم لروايته عن الضعّاف، فيظهر من ويردّه:


 


أنّ الرواية عن الضعاف كثيراً كان يعدّ قدحاً في الراوى، فيقولون أنّ فلاناً يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل. ومعنى ذلك: أنّه لم يكن متثبّتاً في أمر الرواية، فيروي كل ماسمعه عن أيّ شخص كان. وأمّا الرواية عن ضعيف أو ضعيفين أو أكثر في موارد خاصّة فهذا لايكون قدحاً. ولايوجد في الرواة من لم يرو عن ضعيف أو مجهول أو مهمل، إلاّ نادراً.


 


ويدلّ على ماذكرناه: أنّ أحمد بن محمد بن عيسى بنفسه روى عن عدّة من الضعفاء، نذكر جملة منهم:


 


لا ِدلالة في الكلام على الحصر، وأنّ جعفر بن بشير.


 


فقد روى محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عنه، عن محمد بن سنان(2).


 


وروى أيضاً عن محمد بن يحيى عنه، عن علي بن حديد(3).


 


وروى أيضاً عن محمد بن يحيى عنه، عن إسماعيل بن سهل(1).


 


وروى أيضاً عن محمد بن يحيى عنه، عن بكر بن صالح(2).


 


2: ومنهم: بنو فضّال:


 


أستدلّ على وثاقة من رووا عنهم بما روي عن الامام العسكري عليه السلام أنّه قال: (خذوا مارووا، وذروا مارأوا)، وأرسل شيخنا الانصاري هذا إرسال المسلّمات، فذكر في أول صلاته حينما تعرّض لرواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا، قال: (وهذه الرواية وإن كانت مرسلة، إلاّ أنّ سندها إلى الحسن ابن فضّال صحيح، وبنو فضّال ممّن أمرنا بالاخذ بكتبهم ورواياتهم).


 


أقول: الاصل في ذلك مارواه الشيخ عن أبي محمد المحمدى، قال: (وقال أبو الحسن بن تمام: حدّثني عبداللّه الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي اللّه عنه، قال: سئل الشيخ : يعني أبا القاسم رضي اللّه عنه : عن كتب ابن أبي العزاقر بعدما ذمّ وخرجت فيه اللّعنة، فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منه ملاء؟ فقال: أقول فيها ماقاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما، وقد سئل عن كتب بني فضّال، فقالوا: كيف بكتبهم وبيوتنا ملاء؟ فقال صلوات اللّه عليه: خذوا مارووا، وذروا مارأوا)(3).


 


لكنّ هذه الرواية ضعيفة لايمكن الإعتماد عليها، فإنّ عبداللّه الكوفي مجهول، مضافاً إلى أنّ الرواية قاصرة الدّلالة على ماذكروه، فإنّ الرواية في مقام بيان أنّ فساد العقيدة بعد الاستقامة لايضرّ بحجّية الرواية المتقدّمة على الفساد، وليست في مقام بيان أنّه يؤخذ بروايته حتى فيما إذا روى عن ضعيف أو مجهول، فكما أنّه قبل ضلاله لم يكن يؤخذ بروايته فيما إذا روى عن ضعيف أو مجهول، كذلك لايؤخذ بتلك الرواية بعد ضلاله. وكيف كان فما ذكره الشيخ الانصاري وغيره من حجّية كلّ رواية كانت صحيحة إلى بني فضّال كلام لا أساس له.


 


3: ومنهم: جعفر بن بشير:


 


واستدلّوا على وثاقة من روى عنهم بقول النجاشي في ترجمته روى عن الثقات ورووا عنه، فكلّ من روى عنه جعفر بن بشير يحكم بوثاقته.


 


والجواب عن ذلك: أنّه لا دلالة في الكلام على الحصر، وأنّ جعفر بن بشير لم يرو عن غير الثقات. ويؤكّد ذلك قوله: (ورووا عنه) أفهل يحتمل أنّ جعفر ابن بشير لم يرو عنه غير الثقات، والضعفاء يروون عن كلّ أحد، ولاسيّما عن الاكابر بل المعصومين أيضاً. وغاية ماهناك أن تكون رواية جعفر بن بشير عن الثقات، وروايتهم عنه كثيرة.


 


فقد روى الشيخ بإسناده الصحيح، عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن صالح بن الحكم(1) وصالح بن الحكم ضعّفه النجاشى.


 


واستدلّوا على وثاقة من روى عن عنه، فكلّ من روى عنه جعفر بن بشير يحكم بوثاقته.


 


والجواب عن ذلك: أنّه لا دلالة في الكلام على الحصر، وأنّ جعفر بن بشير لم يرو عن غير الثقات. ويؤكّد ذلك قوله: (ورووا عنه) أفهل يحتمل أنّ جعفر ابن بشير لم يرو عنه غير الثقات، والضعفاء يروون عن كلّ أحد، ولاسيّما عن الاكابر بل المعصومين أيضاً. وغاية ماهناك أن تكون رواية جعفر بن بشير عن الثقات، وروايتهم عنه كثيرة.


 


فقد روى الشيخ بإسناده الصحيح، عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن صالح بن الحكم‏ - (1) - وصالح بن الحكم ضعّفه النجاشى.


 


وروى الصدوق بسنده الصحيح عنه، عن عبداللّه بن محمد الجعفي ذكره في المشيخة في طريقه إلى عبداللّه بن محمد الجعفى، وعبداللّه بن محمد الجعفي ضعّفه النجاشى. وستقف على سائر رواياته عن الضعفاء فيما يأتي إن شاء اللّه.


 


 


 


: ومنهم: محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفرانى:


 


وأستدلّ على وثاقته من روى عنهم بقول النجاشي في ترجمته: (روى عن الثقات ورووا عنه). ويظهر الجواب عنه بماذكرناه آنفاً.


 


5: ومنهم: علي بن الحسن الطاطرى:


 


وأستدلّ على وثاقة من روى عنهم بقول الشيخ في ترجمته: (وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم...).


 


والجواب عن ذلك: أنّه لا دلالة في هذا الكلام على أنّ كلّ من يروي عنه علي بن الحسن الطاطري ثقة، غاية ماهناك أنّ رواياته في كتبه الفقهية مرويّة عن الثقات، فكل مانقله الشيخ عن كتبه بأن كان علي بن الحسن قد بدأ به السّند يحكم فيه بوثاقة من روى عنه، ما لم يعارض بتضعيف شخص آخر.


 


وأمّا من روى عنه علي بن الحسن في أثناء السّند فلا يحكم بوثاقته، لعدم إحراز روايته عنه في كتابه.


 


والمتحصّل ممّا ذكرناه: إنّه لم يثبت دلالة رواية المذكور أسماؤهم عن شخص على وثاقة المروي عنه.


 


هذا، وقد أفرط المحدّث النّوري في المقام، فجعل رواية مطلق الثقة عن أحد كاشفاً عن وثاقته واعتباره، ومن هنا استدرك على صاحب الوسائل جماعة كثيرة لرواية الثقات، كالحسين بن سعيد، ومحمد بن أبي الصهبان، والتلعكبرى، والشيخ المفيد، والحسين بن عبداللّه الغضائرى، وأمثالهم عنهم.


 


وهذا غريب جدّاً، فانّ غاية مايمكن أن يتوهّم أن تكون رواية ثقة عن رجل دليلاً على إعتماده عليه، وأين هذا من التوثيق أو الشهادة على حسنه ومدحه. ولعلّ الراوي كان يعتمد على رواية كل إمامي لم يظهر منه فسق، ولو صحّت هذه الدعوى لم تبق رواية ضعيفة في كتب الثقات من المحدّثين، سواء في ذلك الكتب الاربعة وغيرها، فإنّ صاحب الكتاب المفروض وثاقته إذا روى عن شيخه يحكم بوثاقة شيخه، وهو يروي عن شخص آخر فيحكم بوثاقته أيضاً. وهكذا إلى أن ينتهي إلى المعصومين عليهم السلام.


 


وكيف تصحّ هذه الدعوى؟ وقد عرفت أنّ صفوان، وابن أبي عمير والبزنطي وأضرابهم قد رووا عن الضعفاء، فما ظنّك بغيرهم؟.


 


هذا، مع أنّ الرواية عن أحد لاتدلّ على اعتماد الراوي على المروي عنه، فهذا أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد الضبي أبو نصر روى عنه الشيخ الصدوق في كتاب العلل، والمعانى، والعيون، وقال فيه: (مالقيت أنصب منه، وبلغ من نصبه أنّه كان يقول: (اللّهمّ صلّ على محمد فرداً، ويمتنع من الصلاة على آله).


 


4: الوقوع في سند محكوم بالصحّة:


 


ومن جملة ذلك: وقوع شخص في سند رواية قد حكم أحد الاعلام من المتقدّمين أو المتأخّرين بصحّتها، ومن هنا يحكم باعتبار كلّ من روى عنه محمد ابن أحمد بن يحيى، ولم يستثن من رواياته.


 


وكيف تصحّ هذه الدعوى؟ وقد عرفت أنّ صفوان، وابن أبي عمير والبزنطي وأضرابهم قد رووا عن الضعفاء، فما ظنّك بغيرهم؟.


 


هذا، مع أنّ الرواية عن أحد لاتدلّ على اعتماد الراوي على المروي عنه، فهذا أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد الضبي أبو نصر روى عنه الشيخ الصدوق في كتاب العلل، والمعانى، والعيون، وقال فيه: (مالقيت أنصب منه، وبلغ من نصبه أنّه كان يقول: (اللّهمّ صلّ على محمد فرداً، ويمتنع من الصلاة على آله).


 


4: الوقوع في سند محكوم بالصحّة: - 


 


ومن جملة ذلك: وقوع شخص في سند رواية قد حكم أحد الاعلام من المتقدّمين أو المتأخّرين بصحّتها، ومن هنا يحكم باعتبار كلّ من روى عنه محمد ابن أحمد بن يحيى، ولم يستثن من رواياته.


 


بيان ذلك: انّ النجاشي والشيخ قد ذكرا في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى أنّ محمد بن الحسن بن الوليد إستثنى من رواياته مارواه عن جماعة : والجماعة قد ذكرت أسماؤهم في ترجمته : وتبعه على ذلك أبو جعفر بن بابويه، وكذلك أبو العباس بن نوح، إلاّ في محمد بن عيسى بن عبيد، فانّه لم يستثنه، إذن فكلّ من روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ولم يكن ممّن استثناهم ابن الوليد، فهو معتمد عليه، ومحكوم عليه بصحّة الحديث.


 


أقول: إنّ اعتماد ابن الوليد أو غيره من الاعلام المتقدّمين فضلاً عن المتأخّرين على رواية شخص والحكم بصحّتها لايكشف عن وثاقة الراوي أو حسنه، وذلك لإحتمال أنّ الحاكم بالصحّة يعتمد على أصالة العدالة، ويرى حجّية كل رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق، وهذا لايفيد من يعتبر وثاقة الراوي أو حسنه في حجّية خبره.


 


هذا بالإضافة إلى تصحيح ابن الوليد وأضرابه من القدماء، الذين قد يصرّحون بصحّة رواية ما، أو يعتمدون عليها من دون تعرّض لوثاقة رواتها.


 


وأمّا الصدوق فهو يتبع شيخه في التصحيح وعدمه، كما صرّح هو نفسه بذلك، قال : قدّس سرّه ؤ: (وأمّا خبر صلاة يوم عيد غدير خم والثّواب المذكور فيه لمن صامه، فإنّ شيخنا محمد بن الحسن كان لايصحّحه ويقول: إنّه من طريق محمد بن موسى الهمدانى. وكان غير ثقة. وكان مالم يصحّحه ذلك الشيخ : قدّس اللّه روحه : ولم يحكم بصحّته من الاخبار، فهو عندنا متروك غير صحيح)(1).


 


وقال أيضاً: (كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه سيّى الرأي في محمد بن عبداللّه المسمعي راوي هذا الحديث، وإنّي أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب، لانّه كان في كتاب الرحمة، وقد قرأته عليه فلم ينكره، ورواه لى)(2).


 


5: وكالة الإمام: ومن ذلك أيضاً: الوكالة من الإمام عليه السلام، فقيل أنّه ملازمة للعدالة التي هي فوق الوثاقة.


 


أقول: الوكالة لاتستلزم العدالة، ويجوز توكيل الفاسق إجماعاً وبلا إشكال. غاية الامر أنّ العقلاء لايوكّلون في الامور المالية خارجاً من لايوثق بأمانته، وأين هذا من اعتبار العدالة في الوكيل؟


 


وأمّا النّهي عن الركون إلى الظالم فهو أجنبي عن التوكيل فيما يرجع إلى أمور الموكّل نفسه. هذا وقد ذكر الشيخ في كتابه الغيبة عدّة من المذمومين من وكلاء الائمة عليهم السلام، فاذا كانت الوكالة تلزمها العدالة، فكيف يمكن انفكاكها عنها في مورد؟


 


وبعبارة أخرى: إذا ثبت في مورد أنّ وكيل الامام عليه السلام لم يكن عادلاً كشف ذلك عن عدم الملازمة، وإلاّ فكيف يمكن تخلّف اللاّزم عن الملزوم. وبهذا يظهر بطلان ماقيل: من أنّه إذا ثبتت الوكالة في مورد أخذ بلازمها وهو العدالة حتى يثبت خلافه.


 


بأمانته، وأين هذا من اعتبار الع وأمّا النّهي عن الركون إلى الظالم فهو أجنبي عن التوكيل فيما يرجع إلى أمور الموكّل نفسه. هذا وقد ذكر الشيخ في كتابه الغيبة عدّة من المذمومين من وكلاء الائمة عليهم السلام، فاذا كانت الوكالة تلزمها العدالة، فكيف يمكن انفكاكها عنها في مورد؟


 


وبعبارة أخرى: إذا ثبت في مورد أنّ وكيل الامام عليه السلام لم يكن عادلاً كشف ذلك عن عدم الملازمة، وإلاّ فكيف يمكن تخلّف اللاّزم عن الملزوم. وبهذا يظهر بطلان ماقيل: من أنّه إذا ثبتت الوكالة في مورد أخذ بلازمها وهو العدالة حتى يثبت خلافه.


 


ثمّ إنّه قد يستدلّ على وثاقة كل من كان وكيلاً من قبل المعصومين عليهم السلام في أمورهم بما رواه محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن الحسن بن عبدالحميد، قال: (شككت في أمر حاجز فجمعت شيئاً ثم صرت إلى العسكر فخرج إلىّ: ليس فينا شكّ ولا في من يقوم مقامنا بأمرنا، ردّ ما معك إلى حاجز ابن يزيد)(1). ورواه الشيخ المفيد أيضاً(2).


 


والجواب عن ذلك: أنّ الرواية ضعيفة السند ولا أقل من أنّ الحسن بن عبدالحميد مجهول، مضافاً إلى أنّ الرواية لاتدلّ على اعتبار كل من كان وكيلاً من قبلهم سلام اللّه عليهم في أمر من الامور، وإنّما تدلّ على جلالة من قام مقامهم بأمرهم، فيختص ذلك بالنوّاب والسفراء من قبلهم سلام اللّه عليهم.


 


هذا، وقد أفرط بعضهم فجعل كون الرجل بوّاباً للمعصوم عليه السلام دليلاً على اعتباره، مع أنّه لا دلالة فيه على الإعتبار بوجه من الوجوه.


 


6: شيخوخة الإجازة:


 


فقد اشتهر أنّ مشايخ الإجازة مستغنون عن التوثيق.


 


والجواب عن ذلك: أنّ مشايخ الإجازة على تقدير تسليم وثاقتهم لايزيدون في الجلالة وعظمة الرتبة عن أصحاب الاجماع وأمثالهم، ممّن عرفوا بصدق الحديث والوثاقة، فكيف يتعرّض في كتب الرجال والفقه لوثاقتهم ولايتعرّض لوثاقة مشايخ الإجازة لوضوحها وعدم الحاجة إلى التعرّض لها.


 


والصحيح: أنّ شيخوخة الإجازة لاتكشف عن وثاقة الشيخ كما لاتكشف عن حسنه.


 


بيان ذلك: أنّ الراوي قد يروي رواية عن أحد بسماعه الرواية منه، وقد يرويها عنه بقراءتها عليه، وقد يرويها عنه لوجودها في كتاب قد أجازه شيخه أن يروي ذلك الكتاب عنه من دون سماع ولا قراءة، فالراوي يروي تلك الرواية عن شيخه، فيقول: حدّثني فلان، فيذكر الرواية، ففائدة الإجازة هي صحّة الحكاية عن الشيخ وصدقها، فلو قلنا: بأنّ رواية الثقة عن شخص كاشفة عن وثاقته أو حسنه فهو، وإلاّ فلا تثبت وثاقة الشيخ بمجرّد الإستجازة والإجازة.


 


وقد عرفت : آنفاً : أنّ رواية ثقة عن شخص لاتدلّ لا على وثاقته ولا على حسنه. ويؤيّد ماذكرناه أنّ الحسن بن محمد ين يحيى والحسين بن حمدان الحضيني من مشايخ الإجازة على مايأتي في ترجمتهما، قد ضعّفهما النجاشى.


 


7: مصاحبة المعصوم:


 


وقد جعل بعضهم: أنّ توصيف أحد بمصاحبته لاحد المعصومين عليهم السلام من إمارات الوثاقة.


 


وأنت خبير بأنّ المصاحبة لاتدلّ بوجه لا على الوثاقة، ولا على الحسن، كيف وقد صاحب النبي صلّى اللّه عليه وآله وسائر المعصومين عليهم السلام من لاحاجة إلى بيان حالهم وفساد سيرتهم، وسوء أفعالهم؟!.


 


8: تأليف كتاب أو أصل:


 


فقد قيل إنّ كون شخص ذا كتاب أو أصل إمارة على حسنه ومن أسباب مدحه.


 


مشايخ الإجازة على مايأتي في تر 7: مصاحبة المعصوم: - 


 


وقد جعل بعضهم: أنّ توصيف أحد بمصاحبته لاحد المعصومين عليهم السلام من إمارات الوثاقة.


 


وأنت خبير بأنّ المصاحبة لاتدلّ بوجه لا على الوثاقة، ولا على الحسن، كيف وقد صاحب النبي صلّى اللّه عليه وآله وسائر المعصومين عليهم السلام من لاحاجة إلى بيان حالهم وفساد سيرتهم، وسوء أفعالهم؟!. - 


 


8: تأليف كتاب أو أصل: - 


 


فقد قيل إنّ كون شخص ذا كتاب أو أصل إمارة على حسنه ومن أسباب مدحه.


 


والجواب عنها:


 


أنّ هذه الروايات : بأجمعها : ضعيفة: أمّا الاخيرتان فوجه الضعف فيهما ظاهر. وأمّا الاولى فلانّ محمد بن سنان ضعيف على الاظهر.


 


على أنّه لو أغمضنا عن ضعف السند فالدلالة فيها أيضاً قاصرة، وذلك فإنّ المراد بجملة: (قدر رواياتهم عنّا) ليس هو قدر مايخبر الراوي عنهم عليهم السلام، وإن كان لايعرف صدقه وكذبه، فإنّ ذلك لايكون مدحاً في الراوى، فربّما تكون روايات الكاذب أكثر من روايات الصادق، بل المراد بها هو قدر ماتحمّله الشخص من رواياتهم عليهم السلام، وهذا لايمكن إحرازه ألاّ بعد ثبوت حجّية قول الراوى، وأنّ مايرويه قد صدر عن المعصوم عليه السلام.


 


11: ذكر الطريق إلى الشخص في المشيخة:


 


وقد جعل المجلسي : قدّس سرّه : ذكر الصدوق شخصاً في من له إليه طريق موجباً للمدح، وعدّه فى: وجيزته من الممدوحين.


 


والجواب: أنّه لايعرف لذلك وجه إلاّ مايتخيّل من أنّ من ذكر إليه طريق في المشيخة لابدّ وأن يكون له كتاب معتمد عليه، فانّ الصدوق قد التزم في أوّل كتابه أن يروي فيه عن الكتب المعتبرة المعتمد عليها. وعليه فيكون صاحب الكتاب ممدوحاً لامحالة. ولكنّ هذا تخيّل صرف نشأ من قول الصدوق في أول كتابه:


 


(وجميع مافيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل، وإليها المرجع، مثل كتاب حريز بن عبداللّه السجستانى، وكتاب عبيداللّه بن علي الحلبى، وكتب علي بن مهزيار الاهوازى، وكتب الحسين بن سعيد، ونوادر أحمد بن محمد ابن عيسى، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعرى، وكتاب الرحمة لسعد بن عبداللّه، وجامع شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد رضي اللّه عنه، ونوادر محمد بن أبي عمير، وكتب المحاسن لاحمد بن أبي عبداللّه البرقى، ورسالة أبي رضي اللّه عنه إلىّ، وغيرها من الاصول والمصنّفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضي اللّه عنهم).


 


ولكن من الظاهر أنّه يريد بذلك أنّ الروايات المستخرجة في الفقيه مستخرجة من الكتب المعتبرة ولايريد أنّه استخرجها من كتب من ذكرهم في المشيخة، وذكر طريقه إليهم. كيف؟! وقد ذكر في المشيخة عدّة أشخاص وذكر طريقه إليهم: مثل إبراهيم بن سفيان، وإسماعيل بن عيسى، وأنس بن محمد، وجعفر بن القاسم، والحسن بن قارن، وغيرهم. مع أنّ النجاشي والشيخ لم يذكراه في كتابيهما الموضوعين لذكر أرباب الكتب والاصول، بل ولم يذكرهم الشيخ في رجاله، مع أنّ موضوعه أعمّ، فكيف يمكن أن يدّعى أنّ هؤلاء أرباب كتب، وأنّ كتبهم من الكتب المشهورة؟! بل إنّ الصدوق ذكر طريقه إلى أسماء ابنت عميس، أفهل يحتمل أنّه كان لها كتاب معروف؟ بل إنّه قد يذكر في المشيخة طريقه إلى نفس الرواية، مثل ذكره طريقه إلى ماجاء نفر من اليهود. وعلى الجملة فلا شكّ في أنّ الصدوق لم يرد بالعبارة المزبورة: أنّه استخرج في كتابه الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة المعروفة لمن ذكرهم في المشيخة.


 


وممايؤكّد ذلك: أنّ الصدوق لم يرو عن بعض من ذكر طريقه إليه في المشيخة إلاّ رواية واحدة في كتابه: مثل المذكورين، وأيّوب بن نوح، وبحر السّقا، وبزيع المؤذّن، وبكّار بن كردم وغيرهم.


 


ومن البعيد جدّاً أن يكون لهم كتاب معروف ولم يرو الصدوق عنه إلاّ رواية واحدة! وعليه فلا يمكن الحكم بحسن رجل بمجرّد أنّ للصدوق إليه طريقاً.


 


وممايؤكّد ذلك: أنّ الصدوق إلاّ رواية واحدة في كتابه: مثل المذكورين، وأيّوب بن نوح، وبحر السّقا، وبزيع المؤذّن، وبكّار بن كردم وغيرهم.


 


ومن البعيد جدّاً أن يكون لهم كتاب معروف ولم يرو الصدوق عنه إلاّ رواية واحدة! وعليه فلا يمكن الحكم بحسن رجل بمجرّد أنّ للصدوق إليه طريقاً.


 


النظر في سند كلّ رواية منها وفحصها.


 


النظر في سند كلّ رواية منها وفحصها.


 


وبما ذكرناه يظهر بطلان أمر آخر قد توهّمه غير واحد ممّن لم يتأمّلوا في عبارة الصدوق. بيان ذلك: أنّ جملة من طرق الصدوق ضعيفة على ماتقف عليها وعلى جهة ضعفها في مايأتي إن شاء اللّه تعالى، ولكنّه مع ذلك توهّم بعضهم أنّ ضعف الطريق لايضرّ بصحّة الحديث، بعدما أخبر الصدوق بأنّ روايات كتابه مستخرجة من كتب معتبرة معروفة معوّل عليها، فالكتاب إذا كان معروفاً ومعوّلاً عليه لم يضرّه ضعف الطريق الذي ذكره الصدوق في المشيخة تبرّكاً، أو لامر آخر.


 


وقد ظهر بطلان هذا التوهّم، وإنّ الكتب المعروفة المعتبرة التي أخرج الصدوق روايات كتابه منها ليست هي كتب من بدأ بهم السّند في الفقيه وقد ذكر جملة منهم في المشيخة، وإنّما هي كتب غيرهم من الاعلام المشهورين التي منها رسالة والده إليه : طاب ثراهما ؤ، وكتاب شيخه محمد بن الحسن بن الوليد : قدّس سرّه ؤ، فالرّوايات الموجودة في الفقيه مستخرجة من هذه الكتب. وأمّا أنّها صحيحة أو غير صحيحة فهو أمر آخر أجنبي عن ذلك.


 


نعم من بدى به السّند في كتابي التهذيب والاستبصار هو صاحب كتاب يروي الشيخ ما رواه فيهما عن كتابه، على ماصرّح به في آخر كتابيه إلاّ أنّ الشيخ لم يذكر أنّ الكتب التي استخرج روايات كتابيه منها هي كتب معتبرة معروفة.


 


وحاصل ماذكرناه أنّ طريق الصدوق أو الشيخ إلى شخص إذا كان ضعيفاً حكم بضعف الرواية المرويّة عن ذلك الطريق لامحالة.


 


نعم إذا كان طريق الشيخ إلى أحد ضعيفاً فيما يذكره في آخر كتابه ولكن كان له إليه طريق آخر في الفهرست وكان صحيحاً: يحكم بصحّة الرواية المرويّة عن ذلك الطريق. والوجه في ذلك أنّ الشيخ ذكر أنّ ماذكره من الطرق في آخر كتابه إنّما هو بعض طرقه، وأحال الباقي على كتابه الفهرست، فإذا كان طريقه إلى الكتاب الذي روى عنه في كتابيه صحيحاً في الفهرست حكم بصحّة تلك الرواية.


 


بل لو فرضنا أنّ طريق الشيخ إلى كتاب ضعيف في المشيخة والفهرست ولكن طريق النجاشي إلى ذلك الكتاب صحيح، وشيخهما واحد حكم بصحّة رواية الشيخ عن ذلك الكتاب أيضاً، إذ لايحتمل أن يكون ما أخبره شخص واحد كالحسين بن عبيداللّه بن الغضائري مثلاً للنجاشي مغايراً لما أخبر به الشيخ، فاذا كان ما أخبرهما به واحداً وكان طريق النجاشي إليه صحيحاً: حكم بصحّة مارواه الشيخ عن ذلك الكتاب لامحالة، ويستكشف من تغاير الطريق أنّ الكتاب الواحد روي بطريقين، قد ذكر الشيخ أحدهما، وذكر النجاشي الآخر.


 


المقدّمة الخامسة


 


 


 


النظر في صحّة روايات الكافي، ومن لايحضره الفقيه، والتهذيبين.


 


مناقشة الادلّة القائمة على صحّة جميعها.


 


إبطال هذه الادلّة وتفنيدها، وإثبات عدم صحّة جميع روايات الكتب الاربعة ولزوم النظر في سند كلّ رواية منها وفحصها.


 


لامحالة، ويستكشف من تغاير الطريق أحدهما، وذكر النجاشي الآخر.


 


المقدّمة الخامسة


 


 


 


النظر في صحّة روايات الكافي، ومن لايحضره الفقيه، والتهذيبين.


 


مناقشة الادلّة القائمة على صحّة جميعها.


 


إبطال هذه الادلّة وتفنيدها، وإثبات عدم صحّة جميع روايات الكتب الاربعة ولزوم النظر في سند كلّ رواية منها وفحصها.


 


النظر في سند كلّ رواية منها وفحصها.


 


 


 


نظرة في روايات الكتب الاربعة


 


إنّ إبطال : ماقيل من أنّ روايات الكتب الاربعة كلّها صحيحة : يقع في فصول ثلاثة:


 


الفصل الاول‏


 


 


 


النظر في صحّة روايات الكافي‏


 


 


 


وقد ذكر غير واحد من الاعلام أنّ روايات الكافي كلّها صحيحة ولا مجال لرمي شى‏ء منها بضعف سندها.


 


وسمعت شيخنا الاستاذ الشيخ محمد حسين النائيني : قدّس سرّه : في مجلس بحثه يقول: (إنّ المناقشة في إسناد روايات الكافي حرفة العاجز). وقد استدلّ غير واحد على هذا القول بما ذكره محمد بن يعقوب في خطبة كتابه:


 


(أمّا بعد فقد فهمت ياأخي ماشكوت... وذكرت أنّ أموراً قد أشكلت عليك، لاتعرف حقائقها لإختلاف الرواية فيها، وأنّك تعلم أنّ إختلاف الرواية فيها لإختلاف عللها وأسبابها، وأنّك لاتجد بحضرتك من تذاكره وتفاوضه ممّن تثق بعلمه فيها، وقلت: إنّك تحبّ أن يكون عندك كتاب كاف يجمع (فيه) من جميع فنون علم الدين، مايكتفي به المتعلّم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام، والسّنن القائمة التي عليها العمل، وبها يؤدّى فرض اللّه عزّ وجلّ وسنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وآله، وقلت: لو كان ذلك رجوت أن يكون ذلك سبباً يتدارك اللّه (تعالى) بمعونته وتوفيقه إخواننا وأهل ملّتنا، ويقبل بهم إلى مراشدهم... وقد يسّر اللّه : وله الحمد : تأليف ماسألت، وأرجو أن يكون بحيث توخّيت فمهما كان فيه من تقصير، فلم تقصر نيّتنا في إهداء النصيحة إذ كانت واجبة لإخواننا وأهل ملّتنا، مع مارجونا أن نكون مشاركين لكل من إقتبس منه، وعمل بما فيه في دهرنا هذا، وفي غابره إلى إنقضاء الدّنيا، إذ الربّ جلّ وعزّ واحد، والرسول محمد خاتم النبيين صلوات اللّه وسلامه عليه وآله واحد، والشريعة واحدة، وحلال محمد حلال، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، ووسّعنا قليلاً كتاب الحجّة، وإن لم نكمله على استحقاقه لانّا كرهنا أن نبخس حظوظه كلّها).


 


ووجه الإستدلال:


 


إنّ السائل إنّما سأت محمد بن يعقوب تأليف كتاب جامع لفنون علم الدين بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام، ومحمد بن يعقوب قد لبّى دعوته فألّف له كتاب الكافي.


 


والظاهر أنّه كتب الخطبة بعد إتمام الكتاب وقال، وقد يسّر تأليف ما سألت، فهذه شهادة من محمد بن يعقوب بأنّ جميع ما ألّفه في كتابه من الآثار الصحيحة عن الصادقين سلام اللّه عليهم.


 


أقول: أمّا ماذكر من أنّ الظاهر أنّ الخطبة قد كتبها محمد بن يعقوب بعد تأليف كتاب الكافي فغير بعيد، بل هو مقطوع به في الجملة لقوله: (ووسّعنا قليلاً كتاب الحجّة...).


 


إنّ السائل إنّما سأت محمد بن يعقوب تألي الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام، ومحمد بن يعقوب قد لبّى دعوته فاب الكافي.


 


والظاهر أنّه كتب الخطبة بعد إتمام الكتاب وقال، وقد يسّر تأليف ما سألت، فهذه شهادة من محمد بن يعقوب بأنّ جميع ما ألّفه في كتابه من الآثار الصحيحة عن الصادقين سلام اللّه عليهم.


 


(أقول): أمّا ماذكر من أنّ الظاهر أنّ الخطبة قد كتبها محمد بن يعقوب بعد تأليف كتاب الكافي فغير بعيد، بل هو مقطوع به في الجملة لقوله: (ووسّعنا قليلاً كتاب الحجّة...).


 


9: مارواه بسنده عن يونس، قال: (كلّ زناً سفاح، وليس كلّ سفاح زنا...) وهو حديث طويل عقد محمد بن يعقوب له باباً مستقلاً - (1) - وأيضاً روى بسنده عن يونس، قال: (العلّة في وضع السهام على ستّة لاأقلّ ولاأكثر) وأيضاً قال: (إنّما جعلت المواريث من ستّة أسهم...) - (2) - . وقد جعل لهما أيضاً محمد بن يعقوب باباً مستقلاً.


 


10: مارواه بسنده عن إبراهيم بن أبي البلاد، قال: (أخذني العباس بن موسى...) - (3) - .


 


11: مارواه عن كتاب أبي نعيم الطحّان، رواه عن شريك، عن إسمعيل ابن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن زيد بن ثابت أنّه قال: (من قضاء الجاهلية أن يورّث الرجال دون النساء)(4).


 


12: مارواه بسنده عن إسماعيل بن جعفر، قال: (إختصم رجلان إلى داود عليه السلام في بقرة...)(5).


 


وثانياً: لو سلّم أنّ محمد بن يعقوب شهد بصحّة جميع روايات الكافي فهذه الشهادة غير مسموعة، فإنّه إن أراد بذلك أنّ روايات كتابه في نفسها واجدة لشرائط الحجّية فهو مقطوع البطلان، لانّ فيها مرسلات وفيها روايات في اسنادها مجاهيل، ومن إشتهر بالوضع والكذب، كأبي البختري وأمثاله. وإن أراد بذلك أنّ تلك الروايات وإن لم تكن في نفسها حجّة، إلاّ أنّه دلّت القرائن الخارجية على صحّتها ولزوم الإعتماد عليها، فهو أمر ممكن في نفسه، لكنّه لايسعنا تصديقه، وترتيب آثار الصحّة على تلك الروايات غير الواجدة لشرائط الحجّية، فإنّها كثيرة جدّاً.


 


ومن البعيد جدّاً وجود أمارة الصدق في جميع هذه الموارد، مضافاً إلى أنّ إخبار محمد بن يعقوب بصحّة جميع مافي كتابه حينئذ لايكن شهادة، وإنّما هو اجتهاد إستنبطه ممّا إعتقد أنّه قرينة على الصدق. ومن الممكن أنّ مااعتقده قرينة على الصدق لو كان وصل إلينا لم يحصل لنا ظنّ بالصدق أيضاً، فضلاً عن اليقين.


 


وثالثاً: أنّه يوجد في الكافي روايات شاذّة لو لم ندّع القطع بعدم صدورها من المعصوم عليه السلام فلا شكّ في الإطمئنان به. ومع ذلك كيف تصحّ دعوى القطع بصحّة جميع روايات الكافي، وأنّها صدرت من المعصومين عليهم السلام.


 


وممايؤكّد ماذكرناه من أنّ جميع روايات الكافي ليست بصحيحة: أنّ الشيخ الصدوق : قدّس سرّه : لم يكن يعتقد صحّة جميع مافي الكافي(1) وكذلك شيخه محمد بن الحسن بن الوليد على ماتقدّم من أنّ الصدوق يتبع شيخه في التصحيح والتضعيف(2).


 


والمتحصّل أنّه لم تثبت صحّة جميع روايات الكافي، بل لاشكّ في أنّ بعضها ضعيفة، بل إنّ بعضها يطمأن بعدم صدورها من المعصوم عليه السلام. واللّه أعلم ببواطن الامور.


 


الفصل الثاني‏


 


 


 


النظر في صحّة روايات من لايحضره الفقيه‏


 


 


 


وقد أستدلّ على أنّ روايات كتاب من لايحضره الفقيه كلّها صحيحة : بما ذكره في أوّل كتابه : حيث قال:


 


بل إنّ بعضها يطمأن بعدم صدورها الامور.


 


الفصل الثاني‏


 


 


 


النظر في صحّة روايات من لايحضره الفقيه‏


 


وقد أستدلّ على أنّ روايات كتاب من لايحضره الفقيه كلّها صحيحة : بما ذكره في أوّل كتابه : حيث قال:


 


هذا؟ فإذا أحالهم إلى كتاب معروف أو أ حديثه، سكتوا وسلّموا الامر في ذلك، وقبلوا قوله...).


 


وقال بعدما ذكر جملاً من الإعتراض على حجّية الخبر وأجاب عنها:


 


(ولم أقصد في قصد المصنّفين في إيراد جميع مارووه، بل قصدت إلى إيراد ماأفتي به وأحكم بصحّته، وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي تقدّس ذكره، وتعالت قدرته، وجميع مافيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع... وغيرها من الاصول والمصنّفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضي اللّه عنهم).


 


والجواب:


 


أنّ دلالة هذا الكلام على أنّ جميع مارواه الشيخ الصدوق في كتابه : من لايحضره الفقيه : صحيح عنده، وهو يراه حجّة : فيما بينه وبين اللّه تعالى : واضحة، إلاّ أنّا قد ذكرنا: أنّ تصحيح أحد الاعلام المتقدّمين رواية لاينفع من يرى إشتراط حجّية الرواية بوثاقة راويها أو حسنه، على أنّا قد علمنا من تصريح الصدوق نفسه : على ماتقدّم : إنّه يتبع في التضعيف والتصحيح شيخه ابن الوليد، ولاينظر هو إلى حال الراوي نفسه، وأنّه ثقة أو غير ثقة.


 


أضف إلى ذلك أنّه يظهر من كلامه المتقدّم: أنّ كلّ رواية كانت في كتاب شيخه ابن الوليد أو كتاب غيره من المشايخ العظام والعلماء الاعلام يعتبرها الصدوق رواية صحيحة، وحجّة فيما بينه وبين اللّه تعالى. وعلى هذا الاساس ذكر في كتابه طائفة من المراسلات، أفهل يمكننا الحكم بصحّتها باعتبار أنّ الصدوق يعتبرها صحيحة؟


 


وعلى الجملة: إنّ إخبار الشيخ الصدوق عن صحّة رواية وحجّيتها إخبار عن رأيه ونظره، وهذا لايكون حجّة في حقّ غيره.


 


الفصل الثالث‏


 


 


 


النظر في صحّة روايات التهذيبين‏


 


 


 


وقد أستدلّ على ماقيل من صحّة جميع روايات التهذيبين بما حكاه المحقّق الكاشاني في الوافي عن عدّة الشيخ : قدّس سرّه : من أنّه قال فيه: (إنّ ماأورده في كتابي الاخبار إنّما آخذه من الاصول المعتمد عليها)، فإنّ في هذا الكلام شهادة على أنّ جميع روايات كتابيه مأخوذة من هذه الكتب فهي صحيحة.


 


والجواب:


 


أوّلاً: أنّا لم نجد في كتاب العدّة هذه الجملة المحكيّة عنه. والظاهر أنّ الكاشاني نسب هذه الجملة إلى الشيخ لزعمه أنّه المستفاد من كلامه، فإنّ الشيخ : بعدما ذكره إختياره : وهو حجّية خبر الواحد إذا كان وارداً من طريق أصحابنا القائلين بالامامة، وكان ذلك مروياً عن النبي صلّى اللّه عليه وآله، أو عن أحد الائمة عليهم السلام، وكان ممّن لايطعن في روايته، ويكون سديداً في نقله، قال:


 


(والذي يدلّ على ذلك إجماع الفرقة المحقّة، فإنّى، وجدتها مجمعة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم، ودوّنوها في أصولهم لايتناكرون ذلك ولايتدافعونه، حتى أنّ واحداً منهم إذا أفتى بشى‏ء لايعرفونه سألوه من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم إلى كتاب معروف أو أصل مشهور وروايته، وكان راوية ثقة لاينكر حديثه، سكتوا وسلّموا الامر في ذلك، وقبلوا قوله...).


 


وقال بعدما ذكر جملاً من الإعتراض على حجّية الخبر وأجاب عنها:


 


بعدما ذكره إختياره : وهو حجّية خبر الواحد إذا كان وارداً من طريق أصح القائلين بالامامة، وكان ذلك مروياً عن النبي صلّى اللّه عليه وآله، أو عن أحد الائمة عليهم السلام، وكان ممّن لايطعن في روايته، ويكون سديداً في نقله، قال:


 


(والذي يدلّ على ذلك إجماع الفرقة المحقّة، فإنّى، وجدتها مجمعة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم، ودوّنوها في أصولهم لايتناكرون ذلك ولايتدافعونه، حتى أنّ واحداً منهم إذا أفتى بشى‏ء لايعرفونه سألوه من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم إلى كتاب معروف أو أصل مشهور وروايته، وكان راوية ثقة لاينكر حديثه، سكتوا وسلّموا الامر في ذلك، وقبلوا قوله...).


 


وقال بعدما ذكر جملاً من الإعتراض على حجّية الخبر وأجاب عنها:


 


(ومما يدلّ أيضاً على جواز العمل بهذه الاخبار التي أشرنا إليها ماظهر من الفرقة المحقّة من الإختلاف الصادر عن العمل بها، فإنّي وجدتها مختلفة المذاهب في الاحكام، ويفتي أحدهم بما لايفتي به صاحبه في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى باب الديّات من العبادات والاحكام والمعاملات والفرائض وغير ذلك، مثل اختلافهم في العدد والرؤية في الصوم، واختلافهم في أنّ التلفّظ بثلاث تطليقات هل يقع واحدة أم لا، ومثل اختلافهم في باب الطهارة في مقدار الماء الذي لاينجّسه شى‏ء، ونحو اختلافهم في حدّ الكرّ، ونحو اختلافهم في استئناف الماء الجديد لمسح الرأس والرجلين، واختلافهم في اعتبار أقصى مدّة النفاس، واختلافهم في عدد فصول الاذان والإقامة وغير ذلك في سائر أبواب الفقه حتى أنّ باباً منه لايسلم إلاّ وجدت العلماء من الطائفة مختلفة في مسائل منه أو مسألة متفاوتة الفتاوى. وقد ذكرت ماورد عنهم عليهم السلام في الاحاديث المختلفة التي يختصّ الفقه في كتابي المعروف بالاستبصار وفي كتاب تهذيب الاحكام مايزيد على خمسة آلاف حديث، وذكرت في أكثرها إختلاف الطائفة في العمل بها، وذلك أشهر من أن يخفى).


 


فقد تخيّل المحقّق الكاشاني دلالة هاتين الجملتين على: أنّ الشيخ لايذكر في كتابيه إلاّ الروايات المأخوذة من الكتب المعتمدة، المعوّل عليها عند الاصحاب، ولكن من الظاهر أنّ هذا تخيّل لا أساس له، ولا دلالة في كلام الشيخ على أنّ جميع روايات كتابيه مأخوذة من كتاب معروف أو أصل مشهور، بل ولا إشعار فيه بذلك أيضاً. على أنّ الشيخ ذكر أنّ عدم إنكار الحديث الموجود في كتاب معروف أو أصل مشهور إنّما هو فيما إذا كان الراوي ثقة، فأين شهادة الشيخ بأنّ جميع روايات الكتاب المعروف، أو الاصل المشهور صحيحة، ولاينكرها الاصحاب؟.


 


ومما يؤيّد ماذكرناه أنّ الشيخ ذكر في غير مورد من كتابيه: أنّ مارواه، من الرواية ضعيف لايعمل به، وقد رواها عن الكتب التي روى بقيّة الروايات عنها، فكيف يمكن أن ينسب إليه أنّه يرى صحّة جميع روايات تلك الكتب؟


 


وثانياً: لو سلّمنا أنّ الشيخ شهد بصحّة جميع روايات كتابيه، فلا تزيد هذه الشهادة على شهادة الصدوق بصحّة جميع روايات كتابه، فيجري فيها ماذكرناه في شهادة الصدوق من أنّ الشهادة على صحّة الحديث وحجّيته لاتكون حجّة في حقّ الآخرين، بعدما كانت شرائط الحجّية مختلفة بحسب الانظار.


 


وقد تحصّل من جميع ماذكرناه أنّه لم تثبت صحّة جميع روايات الكتب الاربعة، فلا بدّ من النظر في سند كل رواية منها، فإن توفّرت فيها شروط الحجّية أخذ بها، وإلاّ فلا.


 


المقدّمة السادسة


 


 


 


إستعراض الاصول الرجالية المعتمدة.


 


التشكيك في نسبة الرجال إلى الغضائرى.


 


الحكم عليه بالوضع والاختلاق.


 


الآخرين، بعدما كانت شرائط الحجّية مخت وقد تحصّل من جميع ماذكرناه أنّه لم تثبت صحّة جميع روايات الكتب الاربعة، فلا بدّ من النظر في سند كل رواية منها، فإن توفّرت فيها شروط الحجّية أخذ بها، وإلاّ فلا.


 


المقدّمة السادسة


 


 


 


إستعراض الاصول الرجالية المعتمدة.


 


التشكيك في نسبة الرجال إلى الغضائرى.


 


الحكم عليه بالوضع والاختلاق.


 


الآخرين، بعدما كانت شرائط الحجّي وقد تحصّل من جميع ماذكرناه أنّه لم تثبت صحّة جميع روايات الكتب الاربعة. 


 


ثم إنّ النجاشى: قد إلتزم : في أول كتابه : أن يذكر فيه أرباب الكتب من أصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم، فكلّ من ترجمه في كتابه يحكم عليه بأنّه إمامىّ، إلاّ أن يصرّح بخلافه، فإنّه وإن ذكر جملة من غير أصحابنا أيضاً، وترجمهم استطراداً، إلاّ أنّه صرّح بإنحرافهم وانتحالهم المذاهب الفاسدة.


 


وأمّا الشيخ فلم يلتزم بذلك في فهرسته، بل تصدّى لذكر من له كتاب من المصنّفين وأرباب الاصول، وإن كان إعتقاده مخالفاً للحقّ ومنتحلاً لمذهب فاسد، فذكره أحداً في كتابه : مع عدم التعرّض لمذهبه : لايكشف عن كونه إماميّاً بالمعنى الاخصّ . نعم يستكشف منه أنّه غير عامّي فإنّه بصدد ذكر كتب الإمامية بالمعنى الاعم.


 


وقد تصدّى الشيخ في رجاله لذكر مطلق الرواة ومن كانت لهم رواية عن المعصوم مع الواسطة أو بدونها، سواءً كان من الإمامية أم لم يكن، فليس ذكره أحداً في رجاله كاشفاً عن إماميته، فضلاً عن إيمانه.


 


ثم إنّ الشيخ قال في أوّل رجاله:


 


(أمّا بعد فإنّي قد أجبت إلى ماتكرّم به الشيخ الفاضل فيه من جمع كتاب يشتمل على أسماء الرجال الذين رووا عن النبي صلّى اللّه عليه وآله، وعن الائمة عليهم السلام من بعده، إلى زمن القائم عجّل اللّه فرجه الشريف، ثم أذكر بعد ذلك من تأخّر زمانه عن الائمة عليهم السلام من رواة الحديث، أو من عاصرهم ولم يرو عنهم).


 


هذا، وقد إتّفق في غير مورد أنّ الشيخ ذكر إسماً في أصحاب المعصومين عليهم السلام ، وذكره في من لم يرو عنهم أيضاً. وفي هذا جمع بين المتناقضين، إذ كيف يمكن أن يكون شخص واحد أدرك أحد المعصومين عليهم السلام وروى عنه، ومع ذلك يدرج في من لم يرو عنهم عليهم السلام.


 


وقد ذكر في توجيه ذلك وجوه لايرجع شى‏ء منها إلى محصّل:


 


الاوّل: أن يراد بذكره في أصحاب أحد المعصومين عليهم السلام مجرّد المعاصرة وإن لم يره ولم يرو عنه، فيصحّ حينئذ ذكره في من لم يرو عنهم عليهم السلام أيضاً. ويردّه:


 


1: أنّه خلاف صريح عبارته من أنّه يذكر أوّلاً من روى عن النبي أو أحد المعصومين عليهم السلام، ثم يذكر من تأخّر عنهم أو عاصرهم ولم يرهم.


 


2: أنّه لايتمّ في كثير من الموارد، فإنّ من ذكره في من لم يرو عنهم عليهم السلام أيضاً قد روى عنهم عليهم السلام، كما ستقف عليها في تضاعيف الكتاب إن شاء اللّه تعالى.


 


الثاني: أنّ شخصاً واحداً إذا كانت له رواية عن أحد المعصومين عليهم السلام بلا واسطة، صحّ ذكره في أصحابه عليهم السلام، وإذا كانت له رواية عن المعصوم مع الواسطة صحّ ذكره في من لم يرو عنهم عليهم السلام، فلا تنافي بين الامرين.


 


ويردّه:


 


1: أنّه خلاف صريح عبارته من أ المعصومين عليهم السلام، ثم يذكر من تأخّر عنهم أو عاصرهم ولم يرهم.


 


2: أنّه لايتمّ في كثير من الموارد، فإنّ من ذكره في من لم يرو عنهم عليهم السلام أيضاً قد روى عنهم عليهم السلام، كما ستقف عليها في تضاعيف الكتاب إن شاء اللّه تعالى.


 


الثاني: أنّ شخصاً واحداً إذا كانت له رواية عن أحد المعصومين عليهم السلام بلا واسطة، صحّ ذكره في أصحابه عليهم السلام، وإذا كانت له رواية عن المعصوم مع الواسطة صحّ ذكره في من لم يرو عنهم عليهم السلام، فلا تنافي بين الامرين.


 


ويردّه إلاّ أنّ هذا المعنى لايتمّ من وجوه:


 


الاوّل: أنّه لو صحّ ذلك، لم يكن وجه : حينئذ : لذكر الرجل في أصحاب الصادق عليه السلام، فإنّ المفروض أنّه لم يرو عنه إلاّ مع الواسطة، بل لابدّ من ذكره في من لم يرو عنهم عليهم السلام، أو في أصحاب من روى عنه بلا واسطة.


 


الثاني: أنّ كثيراً ممن ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام وقال أسند عنه، قد ذكرهم النجاشي والشيخ نفسه في الفهرست، وقال أنّه روى عن أبي عبداللّه عليه السلام. وستقف على ذلك في موارده إن شاء اللّه تعالى.


 


الثالث: أنّ هذا ينافي ماذكره الشيخ في ترجمة جابر بن يزيد الجعفى، ومحمد ابن إسحق بن يسار، ومحمد بن مسلم بن رباح، حيث قال: اسند عنه، وروى عنهما، فانّ الاسناد عنه إذا كان معناه أنّ روايته عن الصادق عليه السلام مع واسطة، فكيف يجتمع هذا مع روايته عنه عليه السلام بلا واسطة.


 


2: وقيل إنّها بصيغة المجهول: ومعناها أنّ الاجلاّء رووا عنه على وجه الإعتماد، فهذا يكون مدحاً في حقّ من وصف بذلك.


 


ويردّه:


 


ومضافاً إلى أنّ هذا خلاف ظاهر اللّفظ في نفسه : أنّ أكثر من وصفهم الشيخ بهذا الوصف مجاهيل وغير معروفين، بل لم يوجد لبعضهم ولا رواية واحدة. على ماتقف على ذلك في موارده إن شاء اللّه تعالى. ولو كان المراد من التوصيف ماذكر لم يختصّ ذلك بجمع من أصحاب الصادق وبعدد قليل من أصحاب الباقر والكاظم عليهم السلام، بل كان على الشيخ أن يذكره في أصحاب جميع المعصومين ممن عرفوا بالصدق والصلاح مثل أصحاب الإجماع ومن يقاربهم في العظمة والجلال.


 


3: وقيل إنّ معناها: أنّ رواياته مختصّة بما رواه عن الصادق عليه السلام، ولم يرو عن غيره.


 


ويردّه:


 


: مضافاً إلى أنّه خلاف ظاهر اللّفظ، إذ لا دلالة فيه على الحصر : إنّه ينافيه تصريح الشيخ نفسه بروايته عن غير الصادق أيضاً، كما تقدّم ذلك آنفاً في غياث ابن إبراهيم، وجابر بن يزيد، ومحمد بن إسحق، ومحمد بن مسلم.


 


4: وقيل معناها: أنّ ابن عقدة أسند عنه، أي أنّ ابن عقدة حينما ذكر الموصوف بهذا الوصف روى عنه رواية.


 


ويردّه:


 


أولاً: أنّ من وصفهم الشيخ بذلك قليلون يبلغ عددهم مئة ونيّفاً وستين مورداً، ومن ذكره ابن عقدة في رجال أصحاب الصادق عليه السلام كثيرون، على ماذكره الشيخ في ديباجة رجاله. وقد ذكر العلاّمة أنّهم أربعة آلاف رجل، وأنّ ابن عقدة قد أخرج لكل واحد منهم رواية، فكيف يمكن أن يقال إنّ من وصفهم الشيخ بهذا الوصف هم الذين أخرج لهم ابن عقدة حديثاً.


 


ثانياً: أنّ الشيخ صرّح في ديباجة كتابه: أنّ ابن عقدة لم يذكر غير أصحاب الصادق عليه السلام، والشيخ قد ذكر هذه الجملة في جمع من أصحاب الباقر والكاظم والرضا عليهم السلام أيضاً. كحمّاد بن راشد الازدى، ويزيد بن الحسن، وأحمد بن عامر بن سليمان، وداود بن سليمان بن يوسف، وعبداللّه بن على، ومحمد بن أسلم الطوسى.


 


الكتاب 1: تتمّ


 


الكتاب 2: الصيام.


 


الكتاب 3: الحجّ. - 


 


5: كتب الجزء الخامس (وهي ثلاثة): - 


 


الكتاب 1: الجهاد.


 


الكتاب 2: المعيشة.


 


الكتاب 3: النكاح.


 


الكتاب 1: تتمّ الكتاب 2: الصيام.


 


الكتاب 3: الحجّ.


 


فتلخّص : أنّه لايكاد يظهر معنى صحيح لهذه الجملة في كلام الشيخ : قدّس سرّه : في هذه الموارد، وهو أعلم بمراده